ودرجات العلم عند الجينيين خمسة سنتكلم عنها فيما بعد، ويرى الجينية أن مهاويرا ولد مزودا بثلاث منها، فلما واصل تأملاته وتقشفه حصل على الدرجة الرابعة. واستمر مهاويرا يصارع المادة ويزيد في تبتله، فراح يجوب البلاد دون راحة، وحرص كل الحرص على ألا يقتل حيا. وكان يراقب نفسه مراقبة دقيقة في صمت تام، وبعد اثنى عشر عاما أصبح - كما يقول عنه أتباعه - سيره مستقيما كسير الحياة، لا يبالي بالعراقيل كالعاصفة، وكان قلبه نقيا كماء البركة في الشتاء، لا يلوثه شئ كورق اللوتس، مشاعره محمية كأعضاء السلحفاة، وحيدا فريدا كقرن الخرتيت، حرا كالطير، جسورا كالفيل، قويا كالثور مهيبا كالأسد، ثابتا كالجبل، عميقا كالبحر، وديعا كالقمر، بهيا كالشمس طاهرا كالإبريز.
ووصل مهاويرا إلى حالة الذهول وعدم الاحساس بما حوله، وأفنى كل اتجاه مادي فيه، فحصل من درجات العلم على الدرجة الخامسة وهي درجة العلم المطلق، ونيل البصيرة أو النجاة، وبعد سنة أخرى من الصراع والتأملات فاز بدرجة " المرشد " أو Tirthankara تير ثانكارا، وبهذا بدأ مهاويرا مرحلة جديدة هي الدعوة لعقيدته، وقد اتجه أول الأمر إلى أسرته وعشيرته فاستجابوا له، ثم استجاب له أهل مدينته، وأخذت دعوته تنتشر بين الملوك والقواد الذين رأوا في هذه الدعوة ما يعبر عن خواطرهم في الثورة على البراهمة، وسار في دعوته بنجاح حتى بلغ الثانية والسبعين، فنزل مدينة بنابورى في ولاية بتنا فألقى على الناس خمسا وخمسين خطبة وأجاب عن ستة وثلاثين سؤالا غير مسؤولة، ولما تمت خطبه حان أجله فقضى نحبه سنة 527 ق م في خلوة وحيدا، فتحرر من قيود الحياة وتسلسل الولادة والشيخوخة والموت، وترك تراثا ضخما من الوصايا والحكم والفلسفات جديرة بالتقدير.