الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ١٠
الثاني، ولكن بقي أن يوضح محتوى القانون الجديد. ولم يوضح الجدول التام للمؤلفات العائدة إلى القانون إلا على نحو تدرجي، وكلما تحقق شئ من الاتفاق، بفضل الشعور النامي في الكنيسة بوحدتها، وبفضل نمو العلاقات بين مختلف جماعات المسيحيين.
فهكذا يجدر بالذكر ما جرى بين السنة 150 والسنة 200، إذ حدد على نحو تدرجي أن سفر أعمال الرسل مؤلف قانوني، وقد عده في أواخر القرن الثاني إيريناوس، أسقف مدينة ليون، سفرا مقدسا واستشهد به على أنه شهادة لوقا في كلامه على الرسل. ولا بد من القول أن سفر أعمال الرسل ضم إلى القانون خصوصا للصلة التي يمت بها إلى الإنجيل الثالث، فهو مؤلف تابع لذلك الإنجيل.
وكان نمو المسيحيين في التنبه لما لسلطة الرسل من شأن، طوال القرن الثاني، هو أيضا عاملا مهما على ضم مؤلف عد من غير إبطاء مقدمة لا يستغنى عنها لمجمل الرسائل.
فإذا حاول المرء أن يستعرض حصيلة هذا التطور، اتضحت له هذه الأمور: فازت الأناجيل الأربعة في كل مكان بمنزلة منيعة لا نزاع عليها البتة من بعد، ويمكن منذ ذلك الوقت أن قانون الأناجيل قد اكتمل، وأما القسم الآخر من القانون (وهو أسفار الرسل) فقد استشهد في كل مكان برسائل بولس الثلاث عشرة وبسفر أعمال الرسل وبرسالة بطرس الأولى كما يستشهد بالكتاب المقدس.
وقد حصل شئ من الإجماع على رسالة يوحنا الأولى. فقد تجاوزت الصيغة الأخيرة للقانون مرحلة النشوء. ولكن ما زال هناك شئ من التردد في بعض الأمور. فإلى جانب مؤلفات فيها من الوضوح الباطني ما جعل الكنيسة تتقبلها تقبلها لما لا بد منه، هناك عدد كبير من المؤلفات " الحائرة " يذكرها بعض الآباء ذكرهم لأسفار قانونية، في حين أن غيرهم ينظر إليها نظرته إلى مطالعة مفيدة.
ذلك شأن الرسالة إلى العبرانيين ورسالة بطرس الثانية وكل من رسالة يعقوب ويهوذا. وهناك أيضا مؤلفات جرت العادة أن يستشهد بها في ذلك الوقت على أنها من الكتاب المقدس، ومن ثم جزء من القانون، لم تبق زمنا على تلك الحال، بل أخرجت آخر الأمر من القانون. ذلك ما جرى لمؤلف هرماس وعنوانه " الراعي " وللديداكي ورسالة اقليمنضس الأولى ورسالة برنابا ورؤيا بطرس.
ويبدو أن مقياس نسبة المؤلف إلى الرسل استعمل استعمالا كبيرا، ففقد رويدا رويدا كل مؤلف لم تثبت نسبته إلى رسول من الرسل ما كان له من الحظوة. فالأسفار التي ظلت مشكوكا في صحتها، حتى القرن الثالث، هي تلك الأسفار نفسها التي قام نزاع على صحة نسبتها إلى الرسل في هذا الجانب أو ذلك من الكنيسة. وكانت الرسالة إلى العبرانيين والرؤيا موضوع أشد المنازعات. وقد أنكرت صحة نسبتهما إلى الرسل إنكارا شديدا مدة طويلة. فأنكرت في الغرب صحة الرسالة إلى العبرانيين وفي الشرق صحة الرؤيا. ولم تقبل من جهة أخرى إلا ببطء رسالتا يوحنا الثانية والثالثة ورسالة بطرس الثانية ورسالة يهوذا. ولا حاجة إلى أن نتتبع تتبعا مفصلا جميع مراحل هذا التطور الذي أدى خلال القرن الرابع إلى تأليف قانون هو في مجمله القانون بعينه الذي نعرفه اليوم، ما عدا التردد في ترتيب الأسفار في القانون.
وأن الاهتمام بالوحدة في الكنيسة، وقد ازداد فيها يوما بعد يوم الإقرار بحق الصدارة لسلطة كنيسة رومة، قد ساهم مساهمة غير قليلة في تخفيف ما ظهر من الخلافات في هذه المرحلة أو تلك من التطور الذي رافق تأليف القانون.
(١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة