أن يكون من العسير كل مرة الجزم هل الشواهد مأخوذة من نصوص مكتوبة كانت بين أيدي هؤلاء الكتبة أم هل اكتفوا باستذكار أجزاء من التقليد الشفهي. ومهما يكن من أمر، فليس هناك قبل السنة 140 أي شهادة تثبت أن الناس عرفوا مجموعة من النصوص الإنجيلية المكتوبة، ولا يذكر أن لمؤلف من تلك المؤلفات صفة ما يلزم. فلم يظهر إلا في النصف الثاني من القرن الثاني شهادات ازدادت وضوحا على مر الزمن بأن هناك مجموعة من الأناجيل وأن لها صفة ما يلزم، وقد جرى الاعتراف بتلك الصفة على نحو تدرجي.
وابتدأ نحو السنة 150 عهد حاسم لتكوين قانون العهد الجديد. وكان الشهيد يستينس أول من ذكر أن المسيحيين يقرأون الأناجيل في اجتماعات الأحد وأنهم يعدونها مؤلفات الرسل (أو أقله مؤلفات أشخاص يتصلون بالرسل صلة وثيقة) وأنهم هم يستعملونها يولونها منزلة كمنزلة الكتاب المقدس.
وإذا أوليت هذه المؤلفات تلك المنزلة الرفيعة، فيبدو أن الأمر لا يعود أولا إلى أصلها الرسولي، بل لأنها تروي خبر " الرب "، وفقا للتقليد المتناقل. ولكن سرعان ما شدد على نسبة هذه المؤلفات إلى الرسل، وعلى الخصوص لما مست الحاجة إلى حمايتها من تكاثر المؤلفات الشبيهة بها في ظاهرها، في حين أن محتواها يعود في معظمه إلى تقليد سخيف، بل إلى ما ينسجه الخيال في حال الهذيان.
وكان بعد السنة 150 بقليل أن مست الحاجة في الكنيسة إلى قاعدة شاملة، فاتجهت الأنظار إلى مجموعة الأناجيل الأربعة لأنها نالت، حتى ذلك الوقت، انتباه الناس، لما تحللت به من الصفات ولصحة الشهادة التي تؤديها " للرب ". وكان تفوق الأسفار الأربعة عظيما جدا من جهات كثيرة، حتى أنها حجبت بسرعة مجمل المؤلفات المماثلة. فيمكن القول أن الأناجيل الأربعة حظيت نحو السنة 170 بمقام الأدب القانوني، وإن لم تستعمل تلك اللفظة حتى ذلك الحين.
أما رسائل بولس فيكاد أن يكون من الأكيد أنها لم تدخل إلى القانون الواحدة بعد الأخرى، بل إن مجموعتها أدخلت إليه برمتها يوم أخذ يغلب في الكنيسة الرأي القائل بأنه لا بد من الحصول على قانون للعهد الجديد.
والراجح أن النسبة إلى الرسل، وقد جعلوها من قبل الصفة التي تتميز بها المؤلفات الإنجيلية، كان لها نصيب أكبر في إعلاء شأن ما كتب بولس، وقد أخذ يظهر رويدا رويدا وبالمصادفة بمظهر مجموعة اعترفت بصفتها الالزامية كنائس القرن الثاني اعترافا واسعا.
ويظهر هكذا نشوء مبدأ قانون جديد لأسفار مقدسة، غير أن هذا المبدأ لم يناقش قط. فقيام القانون هذا أمر حدث ثم انتشر انتشارا سريعا في الكنيسة حتى عمها. ولم يتدخل التفكير اللاهوتي إلا بعد ذلك، لما وجب تحديد ما يحتويه القانون. ويرجح كثيرا أن الذي زاد في سرعة هذه الحركة هو تدخل مرقيون (+ 160) الهرطوقي الذي نبذ سلطة العهد القديم نبذا تاما، فاحتاج أشد الحاجة إلى تزويد كنيسته بأسفار مقدسة وبما يقتضيه ذلك من قانون جديد.
وهكذا ساهم أتباع مرقيون إلى حد ما في نشر مبدأ القانون الجديد، هذا وقد اتفق على أنه مؤلف من قسمين: الإنجيل والرسل، كما أن القانون القديم كان هو أيضا مؤلفا من قسمين: الشريعة والأنبياء. فالرأي القائل بقاعدة جديدة للكتاب المقدس رأي راسخ في الكنيسة منذ أواخر القرن