الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ٨
[قانون العهد الجديد] إن كلمة " قانون " اليونانية، مثل كلمة " قاعدة " العربية، قابلة لمعنى مجازي يراد به قاعدة للسلوك أو قاعدة للإيمان. وقد استعملت هنا للدلالة على جدول رسمي للأسفار التي تعدها الكنيسة ملزمة للحياة والإيمان. ولم تندرج هذه الكلمة بهذا المعنى في الأدب المسيحي إلا منذ القرن الرابع.
وقد يسأل المرء نفسه ما الذي دعا المسيحيين الأولين إلى أن يفكروا في إحداث مجموعة جديدة لأسفار مقدسة، ثم في تحقيق تلك المجموعة، لتكمل المجموعة التي يقال لها الشريعة والأنبياء. ويمكن إيجاز هذا التطور على هذا الوجه:
كانت السلطة العليا في أمور الدين تتمثل عند مسيحيي الجيل الأول في مرجعين، أولهما العهد القديم وكان الكتبة المسيحيون الأولون يستشهدون بجميع أجزائه على وجه التقريب استشهادهم بوحي الله. وأما المرجع الآخر الذي نما نموا سريعا فقد أجمعوا على تسميته " الرب ". وكان يطلق هذا الاسم على كل من التعليم الذي ألقاه يسوع (1 قور 9 / 14) وسلطة ذلك الذي قام من بين الأموات وتكلم بلسان الرسل (2 قور 10 / 8 و 18). وكان لهذين المرجعين قيمة القياس في أمور الدين، ولكن العهد القديم كان يتألف وحده يتألف من نصوص مكتوبة. وأما أقوال الرب وما كان يبشر به الرسل، فقد تناقلتها ألسنة الحفاظ مدة طويلة ولم يشعر المسيحيون الأولون إلا بعد وفاة آخر الرسل بضرورة كل من تدوين أهم ما علمه الرسل وتولي حفظ ما كتبوه. وما كان بد من أن تثار ذات يوم مسألة المكانة العائدة لهذه المؤلفات الجديدة، وأن حظي في أول الأمر التقليد الشفهي بمكانة أفضل كثيرا مما كان للوثائق المكتوبة.
ويبدو أن المسيحيين، حتى ما يقرب من السنة 150، تدرجوا من حيث لم يشعروا بالأمر إلا قليلا جدا إلى الشروع في أثناء مجموعة جديدة من الأسفار المقدسة، وأغلب الظن أنهم جمعوا في بدء أمرهم رسائل بولس واستعملوها في حياتهم الكنسية. ولم تكن غايتهم قط أن يؤلفوا ملحقا بالكتاب المقدس، بل كانوا يدعون الأحداث توجههم: فقد كانت الوثائق البولسية مكتوبة في حين إن التقليد الإنجيلي كان لا يزال في معظمه متناقلا على ألسنة الحفاظ، فضلا عن أن بولس نفسه كان قد أوصى بتلاوة رسائله وتداولها بين الكنائس المتجاورة (1 تس 5 / 27 وقول 4 / 16).
ومهما يكن من أمر، فإن كثيرا من المؤلفين المسيحيين أشاروا منذ أول القرن الثاني إلى أنهم يعرفون عددا كبيرا من رسائل كتبها بولس، فيمكننا أن نستنتج من ذلك أنه أقيمت من غير إبطاء مجموعة من هذه الرسائل وأنها انتشرت انتشارا واسعا سريعا، لما كان للرسول من الشهرة. ومع ما كان لتلك النصوص من الشأن، فليس هناك قبل أول القرن الثاني (2 بط 3 / 16) أي شهادة تثبت أن هذه النصوص كانت تعد أسفارا مقدسة لها من الشأن ما للكتاب المقدس.
ولا يظهر شأن الأناجيل طوال هذه المدة ظهورا واضحا، كما يظهر شأن رسائل بولس. أجل لم تخل مؤلفات الكتبة المسيحيين الأقدمين من شواهد مأخوذة من الأناجيل أو تلمح إليها، ولكنه يكاد
(٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة