الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ٦٣٥
كتبت خصوصا لتعرض ذلك المشهد من أدب الرؤى (2 تس 2 / 1 - 12). فلو كان المراد توضيح تعليم سابق أو تصويبه، فلماذا عرضه كأنه مجرد تذكير بتعليم، سواء أكان بالكتابة أم بالمشافهة، يشدد فيه على مجئ غير متوقع ليوم الرب، " كالسارق في الليل "؟
فالمسألة تبقى على بساط البحث، ولا شك أنها ليست جوهرية، لأن التقليد القديم لم يأت على ذكرها. إن الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيقي تتناول الحالة الخاصة بالجماعات المسيحية التي كانت هنا وهناك في قلق، لأنها لم تر يوم الرب آتيا بالسرعة المتوقعة. فمن المعقول أن كاتبا مسيحيا كان مسؤولا عن إحدى الجماعات ومتضلعا من تعليم بولس رأى لزاما عليه أن يصوب، في ظل الرسول، تفسيرا خاطئا فيه خطر لانتظار عودة المسيح، وأن هذا الرأي يشرح شرحا حسنا ما نشأ من المصاعب الملاحظة في التوفيق بين مختلف الأمور المذكورة أعلاه. لا تعود هذه الطريقة إلى روح التزوير، كما قد يوحي إلينا الأمر فهمنا العصري للأدب، فإن الأدب المسيحي واليهودي قد استعمل هذه الطريقة مرات كثيرة ليوضح تعليما تقليديا أو يوغل في شرحه. ومهما يكن من أمر، كان للرسالة الثانية إلى أهل تسالونيقي جدوى كبيرة في تاريخ الكنيسة، لأنها، على ما فيها من تلميحات غامضة، حالت دون كل تهرب من حقيقة المعركة التي يجب على المسيحيين أن يخوضوها في العالم، ولأنها ذكرت بأن الرجاء المسيحي لا ينفصل عن السهر كل يوم.
[خبرة بولس الرسولية] يستعمل بولس في الرسالة الأولى إلى أهل تسالونيقي، ولا سيما في الفصول الثلاثة الأولى، صيغة الحاضر، ولكنه لا ينفك يرجع إلى الماضي. فكلما انتقل القارئ من موضوع إلى موضوع، صادف أفعالا مثل " ذكر " أو " علم " أو " عرف " بمعنى " تذكر هذا الحدث أو ذاك " (1 / 3 و 4 و 5 و 2 / 1 و 2 و 5 و 9 و 11 و 3 / 3 و 4 و 6 و 4 / 2 و 5 / 2).
ذلك بأنه لا معنى لعلاقات بولس الحاضرة بمراسليه إلا لأنها قائمة على ما عاشوا معا من حياة مشتركة قبل بضعة أشهر. فإن هذه العلاقات متأصلة في ما اختبر بولس والأخوة معا لدى نشوء الجماعة المسيحية، لما أعلن الرسل الإنجيل. فقد حظينا، بفضل هذه الإشارات إلى الماضي، بشهادة ثمينة جدا. فلربما لم يكشف بولس قط عن سر أخبار في مثل هذه الدقة، فقد شهدها هو بنفسه، وهي تطلعنا على أول مرة تقبلت فيها جماعة بشرية الإيمان بالقيامة.
لما تلقى أهل تسالونيقي الإنجيل بدلوا سيرتهم. فإنهم أخذوا ينتظرون مجئ يسوع، الابن الذي أقامه الله من بين الأموات، فكان لبولس أن يشكر الله على إيمانهم ومحبتهم وثباتهم (1 / 3). نشأ هذا التبديل الجوهري، قبل كل شئ، عن تلك المبادرة نفسها، مبادرة الله، عن هذا الاختيار نفسه، اختيار المحبة الذي جعل في الماضي شعب إسرائيل الشعب المختار (1 / 4 و 2 / 12). وبولس يعرف حق المعرفة أن ليس له أن ينسب هذا الاهتداء إلى كلامه البشري، ولم يطلب نجاحا لشخصه، ولم يتوخ إرضاء الناس (2 / 3). والحقيقة هي أن كلامه هو كلمة الله نفسه، وأن قدرة الله هي التي مكنت هؤلاء اليونانيين " من ترك الأوثان ليعبدوا الله الحي الحق " (1 / 9). فليس هذا الكلام مجرد
(٦٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 630 631 632 633 634 635 636 637 638 639 640 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة