" مجانا " (2 قور 11 / 7 وراجع 1 تس 2 / 9 و 2 تس 3 / 7 - 9 و 1 قور 4 / 12 و 9 / 15 و 2 قور 11 / 9). فإذا تصرف غير ذلك التصرف مع أهل فيلبي، فلا شك أنه فعل ذلك بالنظر إلى موقفهم الأخوي منه على وجه خاص. فقد أسعفوا بولس مرة أولى عند مغادرته مقدونية إلى بلاد اليونان.
وبلغهم بعدئذ أنه في السجن مرة أخرى، ولا مدد عنده، فجمعوا الهبات وعهدوا إلى أبفرديطس بحملها إليه، وبالبقاء عنده لخدمته. ولكن أبفرديطس مرض ورغب في العودة إلى بيته، فأعاده بولس وسلم إليه رسالة شكر فيها أصدقاءه وأطلعهم على أخباره ومشروعاته، وأكثر من تشجيعه وتوصياته لحسن سير الجماعة. فما من رسالة من رسائله، ما عدا بطاقته إلى فيلمون، تصل إلى هذا الحد من إظهار الأنس والمودة.
[بولس في السجن] لما كتبت هذه الرسالة، كان بولس في السجن، لا يعرف معرفة أكيدة الحكم الذي سينزل به، فقد جرت العادة بأن تحصى هذه الرسالة في " رسائل بولس من السجن ". لا يطلعنا سفر أعمال الرسل، إذا استثنينا أسر بولس في فيلبي، إلا على أسره في قيصرية، وقد استمر في رومة. ولما ورد في الرسالة ذكر " دار الحاكم " (1 / 13) وحشم قيصر (4 / 22)، فقد تسول للمرء نفسه الاعتقاد بأنها كتبت في رومة (رسل 28 / 16 و 30 - 31). وإذا سلم بصحة هذا الافتراض، أظهر أصحاب هذا الرأي كيف أن بلوغ سن الكبر يفسر مودته وتسامحه (1 / 15) وتزهده قبالة الخطر والموت (1 / 21).
غير أن معظم المفسرين يرون اليوم أن الرسالة كتبت في أفسس، في الوقت الذي فيه كتبت الرسالتان إلى أهل قورنتس. فإنه لا يروى في سفر أعمال الرسل سوى بضعة أحداث لها الطابع الخاص بحياة الرسل، والغاية من سردها وصف سير الإنجيل. فنكاد لا نعرف شيئا من أخبار بولس في أفسس، وقد أقام فيها أكثر من سنتين (رسل 19 / 8 - 10). وورد في الرسالتين إلى أهل قورنتس أن بولس لم يلق في السجن عدة مرات قبل وصوله إلى قيصرية فحسب، بل تعرض لأخطار جسيمة في أفسس (1 قور 15 / 32 و 2 قور 1 / 8 وراجع 2 قور 4 / 8 - 10 و 6 / 9). وفي الرسالة ذكر لأشخاص يذهبون ويعودون عدة مرات. فقد أرسل أهل فيلبي أبفرديطس، فأعاده بولس، وذكر أن طيموتاوس سيتبعه ويأتي بالأخبار وأن بولس نفسه، إذا أخلي سبيله، سيذهب إلى فيلبي. فمهما قيل من أن المواصلات بين مقدونية ورومة كانت سهلة، فإن مثل هذه التنقلات الكثيرة تلقى تفسيرا أيسر، إذا تمت على مسافة كالتي بين فيلبي وأفسس. ولا شك، من جهة أخرى، أن مشروعات بولس في شأن طيموتاوس هي تلك التي عرضها في رسالته الأولى إلى أهل قورنتس: فقد أرسل طيموتاوس إلى قورنتس وطلب إليه أن يمر بمقدونية وأخبر أنه آت هو أيضا (1 قور 4 / 17 - 19). وقد أيد ذلك ما ورد في سفر أعمال الرسل، فقد عزم بولس على سلوك ذلك الطريق (رسل 19 / 21)، ثم قام بتلك الرحلة (رسل 20 / 1 - 2)، ورأى بعدئذ أن عمله قد تم في تلك الأنحاء، فلم يرغب إلا في الذهاب إلى رومة، ثم إلى إسبانيا (روم 15 / 19 - 20، 22 - 28).