الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ٦٠٥
ليس ذكر دار الحاكم دليلا على أن الرسالة كتبت في رومة. فإن كلمة " دار الحاكم " كانت في أيام بولس تدل أيضا على منزل حاكم وما يعود إليه من دوائر وعلى محكمته والسجن: وهكذا كان الأمر في أفسس. والعبارة " حشم قيصر " لا تعني حتما أقارب القيصر، بل قد تعني عبيده والذين اعتقهم وكانوا كثرا في أفسس. ومن المعقول جدا أن بضعة منهم قد اهتدوا، فكان من الطبيعي أن يستمروا على علاقاتهم ببولس.
لو كان لدينا أدلة أخرى على أن بولس أسر في أفسس، لكاد يكون أمرا واضحا أن الرسالة إلى أهل فيلبي كتبت في هذه المدينة، قبل الرسالتين إلى أهل قورنتس. يتعذر علينا بت المسألة، استنادا إلى ما نعلمه في الوقت الحاضر. قد نأسف للأمر، وعلى الخصوص لأن تحديد مكان كتابتها يؤدي إلى تحديد زمانها، ولو على وجه التقريب. فإن كانت الرسالة قد كتبت في أفسس، عاد زمن كتابتها إلى السنة 56 أو 57، فلا نسمع في هذه الحال نبرة بولس بعد ما شاخ، ولكن نبرة رجل في وطيس المعركة، وندرك أيضا على نحو أفضل لماذا تظهر وجوه الشبه في المعنى بين هذه الرسالة وبين الرسائل الكبرى، بل والرسالتين إلى أهل تسالونيقي وسائر " رسائل بولس من السجن ".
[صحة الرسالة واكتمالها] ما من أحد يطعن طعنا ذا بال في صحة نسبة الرسالة هذه إلى بولس، في حين أن هناك أناسا يشكون في وحدتها، فيرون أنها نتيجة دمج بطاقتين أو عدة بطاقات كانت مستقلة قبلا، وإن كان بولس هو الذي وجهها إلى أهل فيلبي. فبعضهم يميز على الخصوص رسالة شكر (1 / 1 - 3 / 1 و 4 / 10 - 23) ورسالة تحذير من المسيحيين المتهودين (3 / 1 - 4 / 9). صحيح أن الفصل بين 3 / 1 و 3 / 2 يأتي على وجه مباغت جدا، ولكن قد يفسر ذلك أن بولس كان يملي رسائله في عدة أوقات.
واقترح غيرهم تقطيعا مختلفا للرسالة، فجعلوا أجزاءها أقل طولا. ولكن ما من اقتراح واحد يبدو مقنعا على وجه تام. وبوسع المرء أن يلاحظ تكرير موضوع الفرح في الرسالة كلها. وهناك أدلة أخرى على وحدة كامنة تجعل القارئ يرى في هذه الفصول الأربعة شيئا يختلف عن الفسيفساء.
[أسلوب التفكير] ليست هذه الرسالة مقالا له تصميم مرتب ترتيبا منطقيا، ولكن بوسعنا أن نوجز سير الفكر فيها بما زدنا في الترجمة من العناوين في أعلى الفقرات. يشعر بولس، على بعده، أنه قريب من أصدقائه، وهو يفتتح رسالته بموضوع يظل حاضرا طوال الرسالة، وهو الاتحاد الأخوي في المسيح، ينبوع الفرح. كان أسيرا لا يدري ما سيكون مصيره. ولكن، أيا كانت عاقبة أسره، فإنه على يقين أن قضية الإنجيل ستخرج معززة. وقد رأى منذ اليوم تباشير ظفر المسيح. يرغب في العودة إلى سعيه الرسولي ويدعو أصدقاءه إلى خوض المعركة بشجاعة. فليقوموا بعملهم، وهم يعنون بالمحافظة على الوحدة في التواضع والخدمة. ولقد استشهد، ليحثهم على ذلك، بنص له أهمية خاصة، وهو نشيد
(٦٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 600 601 602 603 604 605 606 607 608 609 610 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة