الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ٥٢
أبانا الذي في السماوات (8) ليقدس اسمك (9) 10 ليأت ملكوتك (10) ليكن ما تشاء (11) في الأرض كما في السماء (12).
11 أرزقنا اليوم خبز يومنا (13) 12 وأعفنا مما علينا (14) فقد اعفينا نحن أيضا من لنا عليه

(8) " أبانا الذي في السماوات ". يخاطب التلاميذ أباهم المشترك، وهو واحد (23 / 9). لا يراد بالعبارة " في السماوات " تحديد مكان الآب، بل إنها تؤكد في وقت واحد إن لله ملك الأرض كلها (" في السماوات ") وإن الله، بحبه الأبوي، قريب من البشر (" أبانا "). ولو ترجمت هذه العبارة ب‍ " أبانا السماوي "، لكشفت عن معناها العميق، ولقد ذكرها هكذا متى في بعض الآيات (5 / 48 و 6 / 14 و 26 و 32 و 23 / 9 و 15 / 13 و 18 / 35).
(9) " ليقدس اسمك ". اسم الله هو لفظ كتابي مألوف يدل بإجلال على كيانه، ولا سيما في النصوص الطقسية. والعبارة " قدس الله " أو " قدس اسمه " عبارة مألوفة في الكتاب المقدس وفي الدين اليهودي. بما أن الله هو القدوس المثالي، فلا تعني العبارة أنه يضاف شئ إلى قداسته، بل تدل على أن الإنسان يعترف بقداسة الله ويمجد اسمه (كما في يو 12 / 28 وفيه عبارة مماثلة لهذا الطلب).
عرف الكتاب المقدس والدين اليهودي طريقتين لتقديس الله أو اسمه: 1) يدعو علماء الشريعة والربانيون في الارشادات التي يلقونها على المؤمنين إلى تقديس الله بالطاعة لوصاياه وإلى الاعتراف بسلطته عليهم (اح 22 / 32 وعد 27 / 14 وتث 32 / 51 واش 8 / 13 و 29 / 13) - 2) ويعلن الأنبياء، في أقوالهم في الخلاص الآتي، إن الله سيكشف عن قداسته بظهوره كالديان العادل والمخلص على عيون جميع الأمم (اش 5 / 16 ولا سيما حز 20 / 41 و 28 / 22 و 25 و 36 / 23 و 38 / 16 و 23 و 39 / 27).
وفي هذه الصلاة، فإلى جانب طلب مجئ ملكوت الله الذي لا يتم إلا به وحده، يدور الكلام على التدخل الإلهي الذي تحدث عنه الأنبياء (كثيرا ما يستعملون صفة المجهول " قدس " في الأدب اليهودي للدلالة بطريقة غير مباشرة على عمل الله دون ذكر اسمه: راجع متى 5 / 6 و 7 و 9 و 7 / 1 و 2 و 7 و 8..). إن الله وحده يستطيع أن يتجلى هو نفسه في قدرته ومجده وبره ونعمته. وهذا التجلي يعلن، في نظر يسوع وفي نظر حزقيال (راجع أعلاه)، لجميع الناس.
(10) " ليأت ملكوتك ". راجع 3 / 2 +. تطلب صلاة ال‍ " أبانا " أن يحل ملكوت الله على الأرض كلها، بعد ما تم في يسوع المسيح.
(11) " ليكن ما تشاء ". ليس هذا الطلب، ولا صلاة يسوع في بستان الزيتون (متى 26 / 42 ولو 22 / 42)، صلاة استسلام، بل دعوة إلى الله ليعمل على أن تتم مشيئته. إن صلة هذا الطلب بالطلبين الأولين تدل على أن الكلام يدور قبل كل شئ على تحقيق الله لرغبته في إحلال ملكوته (راجع اش 44 / 28 و 46 / 10 - 11 و 48 / 14 واف 1 / 5 و 9).
لكن هذه الرغبة تهم البشر ولا تتم بدون التزامهم، وفي آخر الأزمنة بتوافق تام بين إراداتهم وإرادة الله (راجع ار 31 / 31 - 33 وحز 36 / 27)، ومنذ اليوم بعملهم بوصاياه، وهذا ما يشدد عليه متى (5 / 17 - 20 و 6 / 33 و 7 / 21 و 24 - 27 و 12 / 50 و 21 / 30..).
(12) الترجمة اللفظية: " كما في السماء كذلك على الأرض ". ينظر إلى السماء كإلى ملكوت الله المحقق على وجه كامل: فلا بد للأرض أن تكون على مثاله. من المحتمل أن تكون هذه الجملة مرتبطة، لا بالكلمات السابقة فقط، بل بمجمل الطلبات الثلاث: فتكون في هذه الحال خاتمة تقابل الدعاء لفظا بلفظ: أبانا / في السماوات - السماء / الأرض.
(13) " خبز يومنا " هي ترجمة لكلمة يونانية يصعب تفسيرها. إن العودة إلى أصل الكلمة يضعنا أمام ثلاثة خيارات: " اليوم " أو " الغد " أو " الجوهري ". ولذلك وبصرف النظر عن العودة إلى أصل الكلمة فهناك تفسير قديم يرى في هذا الطلب إشارة إلى خبز الافخارستيا، لا بل إلى كلمة الله.
يدعو يسوع تلاميذه إلى طلب ما يحتاجون إليه من الطعام يوما بعد يوم، مع التيقن من أن الله يرزقهم إياه كل يوم، كما أنه أطعم إسرائيل في البرية بالمن المعطى يوما بعد يوم (خر 16).
(14) الترجمة اللفظية: " ديوننا ". إن الدين، في لغة العالم والكتاب المقدس، هو واجب قانوني وتجاري بين البشر، وكان هذا الالتزام ذا شأن عظيم جدا في العالم القديم، فيعرض لفقدان الحرية (راجع متى 18 / 23 - 35).
لم تعرف هذه الاستعارة في العهد القديم، ولكن الدين اليهودي استعملها لوصف موقف الإنسان من الله، وهو مدين له عاجز عن الوفاء، وفي هذه الحال تدل الاستعارة على كون الإنسان خاطئا (راجع التوازي بين لو 13 / 2 و 4). تحملنا هذه الصلاة على الطلب إلى الله أن يعفينا من ديوننا له.
والغفران هو النعمة بكل معنى الكلمة، بما أننا عاجزون عن تكفير خطيئتنا.
إن يسوع، وهو الذي يربط ربطا وثيقا بين واجباتنا نحو الله وواجباتنا نحو إخوتنا، وفقا لموضوع العهد الوارد في الكتاب المقدس، كثيرا ما أعلن (كما فعل سي 28 / 1 - 5) أن الله يمنحنا غفرانه إن غفرنا لإخوتنا (متى 5 / 7 و 6 / 14 - 15 و 18 / 23 - 35 ومر 11 / 25). هذا الغفران الأخوي لا يكتسب الغفران لنا ولا يستحقه، بل يشهد لصدق طلبنا (وهذا ما يدل عليه متى باستعمال الصيغة في الماضي).
(٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة