الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ٢٨٣
ثم إنهم شددوا تشديدا مطردا على الصلة بالعهد القديم وبعض البيئات اليهودية، لا بل اكتشفوا بعض العلاقات بالتيارات الغنوصية.
1) الثقافة اليونانية: لا شك أن في إنجيل يوحنا وجوه شبه بالفكر اليوناني أكثر مما في الأناجيل الإزائية. فالاهتمام الظاهر بكل ما يمت بصلة إلى المعرفة والحق، واستعمال لفظ " لوغس "، واستعمال التمثيل خاصة، كل ذلك كان من شأنه أن يوجه الدراسات إلى تلك الجهة. وكانوا يفكرون بفيلون الإسكندري خاصة، فهو الذي حاول، في أوائل القرن الأول، أن يصبغ بالنفوذ اليوناني تراث اليهودية الديني. ذلك بأن المكانة المرموقة التي تحتلها فكرة " لوغس " الغامضة في مؤلفاته كانت تساعد على إثبات أمر التأثير اليوناني. لا يستبعد أن يكون التفكير الفيلوني قد انتشر في بعض البيئات اليهودية في خارج فلسطين فأحدث نمطا جديدا في البحث والحياة. ومن الممكن أن يكون يوحنا قد تعرف إلى إحدى تلك الحلقات. ولكن الرؤية الإجمالية هنا وهناك تختلف كل الاختلاف. فلا نرى عند يوحنا سلما للمعرفة يصعد من العلوم والتفكير الفلسفي إلى مشاهدة الكائن الإلهي. فالمهم عنده هو معرفة الابن المتجسد في الإيمان. والمعاني تتغير، حتى عندما يستعمل الألفاظ الواحدة. " فاللوغس " مثلا ليس هو عند يوحنا خليقة وسيطة بين الله والكون، بل الابن السابق الوجود والمشترك في عمل الآب اشتراكا تاما.
وفي أوائل هذا القرن، ازدادت معرفة ما لحياة القرن الأول الفلسفية والدينية من ألوان شعبية وتوفيقية، وهذا الأمر مكن من معرفة وجوه شبه أخرى في التعبير. فاستنتج بعض الناس من ذلك أن إنجيل يوحنا ليس إلا تكييفا واسعا للمسيحية نقيت من أفكارها الرؤيوية واليهودية وحولت إلى صوفية فردية.
2) المؤثرات اليهودية: لكن تأصل الإنجيل الرابع في العهد القديم وفي اليهودية لم يلبث أن ظهر بوضوح. فقد رأى النقاد في الإنشاء كثيرا من العبارات السامية، الأمر الذي حمل على الافتراض وجود نص أصلي آرامي. وقد شددوا إلى جانب ذلك على وفرة التلميحات العائدة إلى العهد القديم.
أجل، قل أن يستشهد يوحنا استشهادا ظاهرا بالعهد القديم، وهو حريص على فصل التدبير القديم عن الجديد فصلا تاما، غير أنه يكثر من تعابير العهد القديم ولا سيما من موضوعات الأدب الحكمي، كالماء، والطعام السماوي والمن، والراعي، والكرمة، والهيكل: كأن يوحنا يعرف هذه الأفكار ومختلف أنواعها ولكنه يريد أن يستعملها استعمالا شخصيا مبتكرا.
واعترفوا بوجود كثير من الصلات باليهودية المعاصرة للإنجيلي (أساليب تفكير وطرق تأليف ومفردات لغوية مستعملة في البيئات الربانية)، لا بل اعتقد بعضهم أن هناك تلميحات أو اقتباسات تعود إلى الطقوس اليهودية. وما لا شك فيه أن يوحنا مطلع على ما كان ليهودية القرن الأول الفلسطينية من عادات فكرية، وإلى جانب ذلك فلا يخفى عليه ما هي الفوارق الشديدة التي تفصل اليهودية عن المسيحية. لقد تم الانفصال بينهما (9 / 22 و 12 / 42) ولم يبق ليوحنا، وهو البعيد جدا عن التمسك بالشرعية والطقسية اليهودية، إلا أن يوضح جدة عالم التجسد وسموه.
أما وثائق قمران المكتشفة قبل أربعين سنة، فقد مكنت من التعرف إلى بيئة يهودية أخرى تماثل
(٢٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 288 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة