الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ٢٨١
فليس هناك ما يؤكد أن يوحنا قد التزم في كل مكان لقواعد واحدة في التأليف أو أنه أتم وضع مؤلفه على وجه تام. أما نحن فإننا نكتفي بأن نرى في الإنجيل الرابع سلسلة أحداث لم ترتب ترتيبا دقيقا، بل تلائم بعض التطور في المجابهة بين يسوع والعالم من جهة، وتقدما عسيرا من جهة أخرى تحرزه معرفة المؤمنين، في الجليل أولا، ثم في أورشليم خاصة.
[علاقاته بالأناجيل الإزائية] يتفق إنجيل يوحنا مع المعنى الإجمالي للإنجيل، ولكنه يمتاز عن الأناجيل الإزائية بكثير من الوجوه. وأول ما يلفت أنظارنا هي الفوارق الجغرافية والزمنية. فبينما توحي الأناجيل الإزائية بمدة طويلة في الجليل تليها مسيرة إلى اليهودية قد يزيد طولها وينقص وتنتهي بإقامة قصيرة في أورشليم، يروي يوحنا، خلافا لذلك، تنقلات متواترة من منطقة إلى أخرى ويفترض أن تكون الإقامة طويلة في اليهودية ولا سيما في أورشليم (1 / 19 - 51 و 2 / 13 - 3 / 36 و 5 / 1 - 47 و 14 - 20 / 31). وهو يذكر عدة احتفالات بالفصح (2 / 13 و 5 / 1 و 6 / 4 و 11 / 55) فيلمح إلى رسالة تتجاوز مدتها السنتين.
وتظهر الفوارق أيضا في الانشاء وأساليب التأليف. فبينما تنطوي الأناجيل الإزائية على أجزاء قصيرة هي عبارة عن مجموعات حكم أو رواية معجزات تتضمن تصريحات وجيزة، يقتصر إنجيل يوحنا على مختارات من الأحداث والآيات توضح في أغلب الأحيان في أحاديث أو خطب، فيبلغ بذلك في بعض الأحيان مبلغا بعيدا في الشعور بالروعة.
ويمتاز أيضا إنجيل يوحنا باختيار المواد التي يستعملها وبطرافتها. أجل، إنه يذكر كثيرا من الأحداث الواردة في التقاليد الإزائية، كنشاط يوحنا المعمدان واعتماد يسوع في الأردن ودعوة التلاميذ الأولين (1 / 19 - 51) وحادث طرد الباعة من الهيكل (2 / 13 - 21) وشفاء ابن عامل الملك (4 / 43 - 54) وشفاء المقعد (5 / 1 - 15) والأعمى (9 / 1 - 41) وتكثير الأرغفة على شاطئ البحيرة والسير على المياه (6 / 1 - 21) والمجادلات في أورشليم (7 - 8 و 10) ودهن يسوع بالطيب في بيت عنيا وتسلسل أحداث الفصح (12 - 21). ولكن لا وجود لبعض مواد التقليد الإزائي، كالتجربة في البرية والتجلي وتقديس الخبز والخمر والنزاع في بستان الزيتون، وكثير من المعجزات والتعاليم (من الخطبة على الجبل وأكثر الأمثال، حتى الخطبة الأخيرية). واللغة أيضا تختلف كل الاختلاف:
فعبارة " ملكوت الله " لا ترد إلا مرة واحدة (3 / 3 - 5)، ويفضل يوحنا الكلام على الحياة، وعلى الحياة الأبدية، ويحب الموضوعات هذه: العالم، والنور والظلمات، والحق والكذب، ومجد الله والمجد الآتي من البشر.
وإذا لم يكن في الإنجيل الرابع بعض مواد التقليد الإزائي، فهناك أمور جديدة، كآية قانا الجليل (2 / 1 - 11) والحديث إلى نيقوديمس (3 / 1 - 11) والحوار مع السامرية (4 / 5 - 42) وإقامة لعازر من القبر ونتائجها (11 / 1 - 57) وغسل أقدام التلاميذ (13 / 1 - 19) وكثير من الأخبار في رواية الآلام والقيامة. ولا بد أيضا من الإشارة إلى طول الخطب والمحادثات وهي تلقي ضوءا على الأحداث المروية، فالمحادثات الأخيرة بعد العشاء السري (13 / 13 - 17 / 26) تمهد لزمن الكنيسة.
(٢٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة