[الفكر اللاهوتي] لا مجال لعرض نظرة إجمالية في فكر يوحنا اللاهوتي. فهو أمين للتقليد الكتابي الوجيه الذي لا يعرض نظرية، بل يوضح أحداث الخلاص، ولا يفكر في وضع مبدأ أساسي تنتظم بموجبه سائر الأمور. ويتركز الانتباه كله على المسيح، فلا يستطيع المؤمنون أن يصلوا إلى الحياة الأبدية باكتشاف الآب، إلا إذا عرفوا المسيح واتحدوا به. نكتفي ببعض اتجاهات ذلك الفكر اللاهوتي.
لا شك أن المنهج " وجود سابق - تجسد " لا يقتصر على الإنجيل الرابع، فإننا نجده على سبيل المثال في نشيد الرسالة إلى أهل فيلبي (2 / 6 - 11) وفي قول 1 / 15، ولكنه يفيد التعارض عموما بين الآلام والقيامة. أما يوحنا فله نظرة أوسع فأقرب إلى التقليد، فهو ينظر إلى مجمل حياة يسوع (آيات وأقوال) ويعلق أهمية كبرى على حدوثها في الزمان (موضوع " الساعة "). ولا يتم تجلي الله في داخل العالم (" المجد ") إلا من خلال أحداث حياة يسوع وتبلغ ذروتها في الفصح. ولكن هذا التجلي لا يصبح بذلك أمرا من أمور العالم المسلم بها، فالتجلي يطرح مسألة العالم على بساط البحث. والذين يؤمنون يولدون لحياة جديدة، غير أن العالم في حد ذاته يرفض ما لا يقاس به، والإنجيل يوحي بنزاع ينتهي بآلام يسوع وقيامته. وهكذا فالعالم يدان ويحكم عليه في " الساعة " التي كان يظن فيها أنه تغلب على الذي سبق أنه أنكره نكرانا تاما.
لم يصف يوحنا سابق وجود المسيح ولم يرو على سبيل المثال حوارا سماويا يتسلم فيه الابن رسالته، فنحن بعيدون عن الأسطورة. ففي وجود يسوع يتجلى الآب للذين يتقدمون في المعرفة، بالإيمان وبموهبة الروح القدس.