إلى أي حد اطلع يوحنا على الأناجيل الإزائية؟ قال عدد من المفسرين إنه كان يجهلها وإنه لم يعرف إلا بعض التقاليد على الرب والتي استند إليها الإزائيون أيضا. غير أن هناك صلات أدبية فيها من الوضوح ما يحملنا على أن نرجح إلى حد بعيد أن يوحنا اطلع على إنجيل مرقس ولا سيما إنجيل لوقا، علما بأن صلته بإنجيل متى أقل وضوحا. على كل حال، يمكننا أن نؤكد أن يوحنا يفترض عند قرائه معرفة التقاليد الإزائية الكبرى.
ويجتهد يوحنا في معالجة هذه التقاليد فيفوق بذلك أسلافه حرية وثقة بالنفس. فالأمانة عنده تقوم على التعبير العميق عن فحوى أحداث الخلاص الحاصل في يسوع، فهي خلاقة، إن صح القول.
[مسائل التأليف] أترى ذلك الاستقلال عن التقاليد الإزائية يعود إلى استعمال مراجع أخرى؟ وهل يمتاز المؤلف بوحدة أدبية حقيقية أم يدل على استعمال وثائق مختلفة؟
وما هي، قبل كل شئ، لغة الإنشاء الأصلي؟ إن كثرة العبارات الآرامية حملت كثيرا من العلماء على افتراض وجود نص أصلي نقل إلى اليونانية. وذهب غيرهم إلى أن المؤلف اليوناني قد استعمل بعض الأجزاء التي وضعت أولا بالآرامية. ولكن التعمق في البحث أدى إلى العدول عن هذه الافتراضات. فالإنجيل واحد من جهة التأليف الأدبي، وقد وضع أصلا باليونانية، وهذه اليونانية هي على فقرها سليمة بليغة إلى حد بعيد. إنها تحتوي خصوصا على ألفاظ وألوان من البديع اللفظي لا نظير لها في الآرامية، وهي تمتاز بإنشاء وصبغة أدبية يمكن الاستنتاج منهما أن التأليف واحد. لا شك أن هناك أشياء كثيرة تعود إلى أن المؤلف سامي الأصل يكتب باليونانية أو إلى تأثره بالترجمة اليونانية (السبعينية) للعهد القديم. أجل، من الممكن أن يكون قد استعمل مراجع خاصة، ولا سيما مجموعة رواية معجزات عالجها بالحرية التي عالج بها المواد الإزائية، ولا بد هنا من التذكير بأنه مرتبط قبل كل شئ بالبيئة المسيحية وأنه يستعمل في الوقت الموافق عبارات طقسية أو فقرات من المواعظ. يبدو أن الطبقة الأقدم من مقدمة الإنجيل مقتبسة من نشيد يذكر بأناشيد رسائل القديس بولس من السجن أو برسائله الرعائية، وخطبة يسوع في خبز الحياة مركبة وفقا لقواعد العظة عند الربانيين.
[البيئة الفكرية] إن كل فكرة يعبر عنها بلغة وتتصل ببيئات ثقافية، وهي تستعمل ألفاظا وفنونا تعكس ما يهم هذه البيئات وآراءها. فإذا كانت الفكرة مبتكرة فهي تحدث أنواعا جديدة من الترابط وتأتي بالجديد بواسطة المواد التي تستخدمها. والكتاب المقدس لا يشذ عن هذه القواعد، فلا بد من البحث عن تأصل لغة يوحنا في مختلف الثقافات التي كانت تتواجد في المناطق الشرقية من الإمبراطورية الرومانية حيث كتب الإنجيل.
إن تنوع الصلات التي أشار إليها العلماء لشديد جدا. فأول ما اعترفوا به هو تأثير الثقافة اليونانية،