شعبه قبل سواه (10 / 6 و 15 / 24). ولكن هذا التشديد على هذه الناحية يوازيه تشديد آخر على وجوب اكتمال الشريعة في شخص يسوع وعلى المساوئ التي ولدتها التقاليد الفريسية. فكل شئ يخضع لتأويل جديد أساسي، كما يظهر الأمر في تضاد العظة على الجبل في الفصل الخامس.
ويشدد متى على انتقال البشارة إلى الوثنيين، فالذي يهمه هو أن ينتشر الإنجيل في العالم كله. وسيدين ابن الإنسان جميع الناس (25 / 31 - 46) كما أن جميع الشعوب مدعوة إلى تلقي تعليم يسوع (28 / 19).
2) التلاميذ عند متى ليسوا بطيئي الفهم، خلافا لما جاء في مرقس، فهم يتمتعون بمنزلة فريدة في التدبير الإلهي وهم أنبياء وحكماء وكتبة للشريعة الجديدة (13 / 52)، ولكن متى يخفف ملامحهم التاريخية فيجعل منهم أمثلة ثابتة، فهم يمثلون بذلك سالفا كل تلميذ يأتي بعدهم، حتى عندما يبدون رجالا قليلي الإيمان (8 / 26 و 14 / 31 و 16 / 8 و 17 / 20).
3) وآخر الأمر أن صورة المسيح تتأثر بالجماعة المسيحية التي يقصدها متى. لقد أشرنا كيف أن يسوع يتم الكتاب المقدس فيزكي التدبير الإلهي ويضع الأسس للدفاع عن الدين المسيحي. ثم إن متى يمتاز بإظهار يسوع معلما، بل المعلم المثالي (5 / 2 و 19 و 7 / 29 و 21 / 23 و 22 / 16 و 4 / 23 و 9 / 35 الخ)، ففي مرقس لهذه الكلمة المعنى المعروف في العالم القديم، وفي لوقا نرى يسوع يعلم تلاميذه أن يصلوا (لوقا 11 / 1) وفي يوحنا يتناول تعليمه شخصه الخاص (يوحنا 8 / 20 و 28). أما في متى فالمعلم يعلم قبل كل شئ " برا " جديدا، أي أمانة جديدة للشريعة الإلهية (5 / 19 - 20 و 7 / 29 و 15 / 9 و 28 / 20) وهو مفسره المقلد " سلطة " الله الأخيرة ليبعد سامعيه من " الأحكام البشرية " التي يحافظ عليها الكتبة (15 / 9) ويعلمهم كمالا جديدا (5 / 48 و 19 / 21).
فيسوع منذ مقدمة الإنجيل هو المسيح ابن داود، بل ابن الله أيضا. فلما كان ابن الله ومسيحا، فهو " المعلم " والمفسر الحاسم لمشيئة الله. فلا عجب أن يدعوه التلاميذ " ربا " كما يدعوه المسيحي، وأن يهمل متى تلك الملامح التي ذكرها مرقس للدلالة على غضب يسوع أو حنانه. فالمسيح يبدو في وقار أشد منه عند مرقس (قارن بين متى 13 / 35 ومرقس 6 / 3 وبين متى 15 / 33 ومرقس 8 / 4..) [المؤلف وتاريخ المؤلف والمرسل إليهم] كان الأمر بسيطا في نظر الآباء الأقدمين، فإن الرسول متى هو الذي كتب الإنجيل الأول " للمؤمنين الذين من أصل يهودي " (أوريجينس). وهذا ما يعتقده أيضا كثير من أهل عصرنا، وإن كان النقد الحديث أشد انتباها إلى تعقد المشكلة. وهناك عوامل كثيرة تمكن من تحديد مكان الإنجيل الأول. فمن الواضح أن النص كما هو الآن يعكس تقاليد آرامية أو عبرية، منها المفردات الخاصة بفلسطين (ربط وحل (16 / 19) وحمل النير وملكوت السماوات) والعبارات التي لا يشرحها متى لقرائه والعادات المتنوعة (5 / 23 و 12 / 5 و 23 / 5 و 15 و 23). ومن جهة أخرى فليس هو، فيما يبدو، مجرد ترجمة عن الأصل الآرامي، بل هناك ما يدل على أنه دون باليونانية. ومع أنه مجبول بالتقاليد اليهودية، فلا سبيل إلى إثبات أصله الفلسطيني. ومن المعتقد عادة أنه كتب في سورية،