الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ٣٢
فالمسيح يكمل تاريخ إسرائيل. وهناك طريقة أخرى لجأ إليها متى لإظهار ذلك الأمر، وهي البرهان الكتابي. فقد ملأ متى نصه بشواهد تظهر أن تصرف يسوع ينال إيضاحه من الكتاب المقدس: " وكان هذا كله ليتم ما قال الرب بلسان النبي " (1 / 22). فالذين نبذوا يسوع لم يعرفوا من هو: فيسوع هو في الحقيقة المشيح الذي ينتظره اليهود.
2) وعهد يسوع هذا بما له من سلطة إلى تلاميذه الأحد عشر في إعلان البشارة وفي تلمذة جميع الأمم. وهذا الاعلان هو قبل كل شئ إعلان " ملكوت السماوات ". بحسب العبارة التي يمتاز بها الإنجيل الأول والتي تندرج في التقليد اليهودي على ملكوت الله. فالله هو الملك الذي يبقى حاضرا لشعبه والذي يتدخل بسلطة في أوقات معلومة في مسيرة التاريخ. ولا شك أن هذه الطريقة في الكلام عن الله تعود إلى حد ما إلى النظام السياسي الذي عرفه إسرائيل على مر القرون: فالاحتلال الروماني قد بعث عند اليهود حلم تدخل إلهي مطلق. وكان اليهود يقولون في ذلك الزمان: إن الله وحده ملكنا. وقد حفظ يسوع عبارة " ملكوت السماوات " ولكنه لم يعن بها التحرر السياسي، وعلى الخصوص في نظر متى. فقد أورد هذا الكلام بعد موت يسوع، فلم يكن إذا يرجو أن يتحقق مثل هذا الحلم.
وقد أصبحت هذه العبارة عند متى اصطلاحا للإشارة إلى سيادة الله على شعبه. لا بل يستعملها يسوع في صيغة المطلق عندما يبشر ب‍ " أسرار الملكوت " (13 / 11). وتعني عادة عند لوقا أو يوحنا الحياة الأبدية والسماء. ولذلك تبقى العبارة ملتبسة عند متى. فيجب ترجمتها عادة ب‍ " ملك " وأحيانا ب‍ " مملكة " عندما يسبقها فعل يدل على " الدخول " (3 / 2). وهي فوق ذلك لا تهدف إلى المستقبل فحسب، بل إلى الحاضر أيضا. وأمثال الملكوت (13) تعرف ميزاته: يبدأ بحركة الزارع فيثمر حتى الحصاد الأخير بوجه خفي وعلى رغم ما يصيبه من الإخفاق. إن هذه النظرة إلى الحياة الآخرة سبب يحول دون أن نعد ملكوت الله والكنيسة شيئا واحدا، حتى ولو دلت كلمة " كنيسة " (16 / 18 و 18 / 18) على جماعة التلاميذ الذين يبشرون بالملكوت ويأتون بعلاماته. وشريعة هذه الجماعة هي الخدمة المتبادلة (18 / 12 - 14) وهي تمسك في شخص بطرس بطرس بمفاتيح الملكوت (16 / 19 و 18 / 19). وهي لا تزال تصلي دائما أبدا فتقول: " ليأت ملكوتك " (6 / 10) مع أنها تعلم أن الملكوت قد ابتدأ.
[التأليف الأدبي] انطلق متى من مراجع يشترك فيها مع مرقس أو مع لوقا، ولكن روايته، على ما فيها من الائتلاف على العموم، تختلف كل الاختلاف عن رواية مرقس، سوء بعدد المواد الخاصة به وسعتها (مثل ذلك: 1 - 2 و 5 - 7 و 11 / 1 - 30 و 13 / 24 - 30 و 36 - 52 و 11 / 10 - 35 و 28 / 9 - 20) أم بالحرية التي يستعمل بها المواد التي يشترك فيها مع مرقس (قارن على سبيل المثل بين متى 4 / 1 - 11 ومرقس 1 / 12 - 13 وبين متى 8 / 23 - 27 ومرقس 4 / 35 - 41 وبين متى 9 / 9 - 13 ومرقس 2 / 13 - 17 وبين متى 14 / 13 - 21 ومرقس 6 / 32 - 44 وبين متى 16 / 13 - 20 ومرقس 8 / 27 - 30 وبين متى 21 / 18 - 19 ومرقس 11 / 12 - 14 وبين متى 21 / 33 - 46 ومرقس
(٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 26 27 28 29 31 32 33 34 35 36 37 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة