وأيضا ما معنى القول بأن ما جمعه الله لا يفرقه إنسان، مع أن الوجدان شاهد على أن كثيرا مما جمعه الله يفرقه الإنسان كأجزاء الأجسام الصورية والجوهرية وقد سوغت له الشريعة كثيرا من ذلك.
نعم إن جمع الله بين الرجل والمرأة بالزواج برابطة شرعية غير مؤقتة لا يمكن أن يفرق بدون شريعة، ولكن الله قد شرع ذلك على يد موسى ثم نقول لهذا المحتج: كيف تسوغ أنت طلاق المرأة إذا كانت زانية وبمقتضى حجتك أنها صارت هي وزوجها جسدا واحدا وليسا بعد اثنين، وما جمعه الله لا يفرقه إنسان.
وأيضا ما معنى قول المحتج بأن موسى من أجل قساوة قلوبكم إذن لكم أن تطلقوا نساءكم ولكن من البدء لم يكن هكذا.
أفيقول إن موسى جاء بشريعة الطلاق من عند نفسه مداراة لقومه القساة القلوب لا من عند الله؟ أم يقول: إن الله شرع الطلاق موقتا من أجل قساوة القلوب؟ ولكن رفعت هذه الشريعة حيث تسلطت المملكة الروحية على قلوب بني إسرائيل والعالم أجمع قدستهم روحانيتهم وأدبتهم على حسن الائتلاف وعرفان الحقوق حتى تلاشت قساوة قلوبهم.
فنقول: يا حبذا لو صحت الأحلام فإنك إذا نظرت في تاريخ العالم ورسوم هذه المملكة منذ حادثة الصليب وقبلها وبعدها حتى الوقت الحاضر ونظرت إلى حوادث الوقت قلت مستعبرا:
قف بالمعاهد نبكي رسمها العافي * بمدمع من سويد القلب رعاف والإجمال أجمل، وأيضا ما معنى احتجاج هذا المحتج بأنه لم يكن من البدء هكذا، أفكلما لم يكن من البدء ينبغي أن لا تكون به شريعة مسوغة له إذا فإن آدم وحوا كانا في البدء عريانين " تك 2: 25 " فينبغي أن لا تجيئ شريعة تسوغ لبس الثياب، فإن قلت: قد عرض لهما من الأحوال ما يقتضي خلاف ذلك وقد صنع الله لهما أقمصة من جلد وألبسهما " تك 3: 21 ".
قلنا: وقد عرض من الأحوال فيما بين الرجال ونسائهم ما لم يكن بين آدم