ومن هذا النحو اعتماد بعض على رواية من الآحاد فقال إن قوله تعالى:
(واتقوا الله حق تقاته) منسوخ بقوله تعالى: (واتقوا الله ما استطعتم)، وقد نقل في الإتقان القول بأن الآية الأولى من المحكم الذي لم ينسخ، وذهب المحققون كالكشاف وغيره إلى أن الآيتين بمعنى واحد فلا معارضة بينهما حتى تمكن دعوى النسخ.
فإن معنى قوله تعالى: (اتقوا الله ما استطعتم) اتقوا الله جهد قدرتكم ومبلغ استطاعتكم، وهذا هو تقوى الله حق تقاته، إذ لا يصح الأمر بتقوى الله فوق القدرة والاستطاعة، ولا معنى لذلك. وهذا كاف في رد الرواية لمخالفتها لحكم العقل، وبهذا تعرف وهن كلام المتكلف " يه 4 ج ص 162 " ولو أنه يسمع كلاما " لهيان ابن بيان " لحمله على عاتق حقائق الإسلام وجامعته وقال: ما شاء هواه هذا وأن جملة مما اختار في الإتقان كونه من الناسخ والمنسوخ لهو أيضا محل منع، وسنتعرض إن شاء الله لتحقيق ذلك بالبيان الواضح عند التعرض لبيان شرائع القرآن الكريم.
وبما ذكرنا هاهنا تعرف أن ما سرده المتكلف " يه 4 ج ص 166 " من تعداد السور التي ادعى فيها وجود الناسخ أو المنسوخ، أو كليهما إنما هو دعوى لا حقيقة لها، وإنما اتبع بها نقل الإتقان عن بعضهم في المسألة الخامسة.
وأعلم أنا لا نتحاشى من وجود الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم بل قد دللناك في أوائل المقدمة على أن النسخ قد تقتضيه الحكمة الإلهية ومراعاة المصلحة، ولكنا قصدنا هاهنا تحقيق الحق، ودفع أغاليط الأوهام عن شرائع القرآن الكريم وآدابه، وقمع تهويلات المتكلف وتمويهاته وإكثاره الكاذب! وبما ذكرنا تعرف خطأ المتكلف في قوله المتقدم " فكان ذلك موجبا لتشويش الذهن واضطراب الفكر ".
شروط الفتيا أفلا يعلم أن كل من يعد نفسه مفتيا في شريعة من الشرائع، ويدعي رياسة العلم بها ليس له أن يستريح من حيث يتعب الكرام، بل لا بد له أن