وكما يشهد بذلك أيضا خلو الإنجيل عن مناسبات المصالح من الأحكام بل قد ألغى لوازم الاصلاح وضروريات المدنية من قوانين السياسة وأحكام الدفاع حتى اضطر جميع متبعيه إلى مخالفته بتشريعها في ممالكهم حسب ما استحسنه عقلاؤهم وإن لم يكن مستندا إلى الوحي الإلهي، وأيضا أن المسيح قضى ثلاث سنين من نبوته واليهود في أشد المضايقة له وبالضرورة لا يمكنه في ذلك نشر ما عنده من التعاليم المخالفة للأهواء.
وغاية ما يذكر في الإنجيل أنه كان يعلم بمكارم الأخلاق والذم لرياء المترئسين في الدين ومخالفتهم للشريعة، وهذا مما تنشرح له قلوب العامة ويقبلون إليه، ومع ذلك كان يفر بتعليمه هذا من مكان إلى مكان، وناهيك ما يقوله الإنجيل من أنه لم يستطع أن يجاهر بأن " قيصر " الوثني في ذلك الوقت لا يستحق أخذ الجزية من بني إسرائيل الموحدين، بل كان يوري ويتحرف فيه حينما سأله اليهود ونصبوا له بذلك شبكة ليعرقلوه بالجواب " انظر مت 22: 15 - 22 ومر 12: 13 - 18 ولو 20 20 - 26 " بل كان بنفسه يعطي الجزية لقيصر مت 17: 24 - 27 ".
اللعنة على من لا يقيم الناموس فإن قلت: إن لليهود حجة شرعية على امتناع النسخ للشرعية الموسوية وذلك لقول التوراة ملعون من لا يقيم كلمات هذا الناموس ليعمل بها " تث 27:
26 ".
قلنا: من شروط صحة الاحتجاج بذلك أن تكون التوراة متواترة متصلة السند غير محرفة وهذا واضح البطلان كما يعرف من متفرقات كتابنا وخصوص المقدمة السادسة فقد ذكرنا فيها شهادة كتاب " ارميا " في موضعين منه بتحريف اليهود للتوراة وكلام الله، وشهادة كتاب " أشعيا " بتحريف اليهود، وكذا المقدمة الخامسة فقد أوضحنا فيها انقطاع سند التوراة وستأتي إن شاء الله زيادة الايضاح لذلك في المقدمة الثالثة عشر، وكذا المقدمة العاشرة فقد أوضحنا فيها بطلان دعوى اليهود تواتر التوراة إلى " موسى " عليه السلام. هذا كله مضافا إلى ما في