فإن ثبتت عنده نبوة النبي فليعد النظر لأخذه بشريعته وتعاليمه فيهما ليميز بين الحق منهما وبين ما زوره تلاعب الأيام عليهما، ثم يميز بين ما هو الثابت في حقه منهما وبين ما هو منسوخ بشريعة صادقة من نبوة لاحقة ليعرف بصدق النظر ما هو حكم الله الفعلي في حقه فيتعبد الله به ويطلب صلاحه وسعادته في الدارين بسببه.
فصل: في أنموذج النظر حسبما شرحنا من قوانينه تمرينا للذهن إنا قد حاولنا إثبات النبوات وكتبها وشرائعها بحججها من غير توقف لثبوت نبوة أو ثبوت آثارها على تصديق النبوة التي بعدها، فوجهنا النظر إلى نبوة الأنبياء الذين هم قبل موسى فلم نجد لدعواهم النبوة وحجتها ولا لشرائعهم ولا لكتبهم أثرا يعتد به في غير النبوات التي بعدهم ولئن كان لها أثر عند أهل الملل من بعد موسى فإنما هو من نبواتهم وكتبها.
فوجهنا النظر إلى نبوة موسى وكتابه وشريعته وما حدث بعده من النبوات والكتب والشرائع.
فنظرنا أولا في رسالة موسى وكتابه وشريعته فوجدنا معاصرينا من اليهود متفقين في نقلهم على أن موسى ادعى الرسالة من الله وظهرت على يده المعجزات العظيمة وأنزل الله عليه كتاب التوراة وبعثه بالشريعة، وأن التوراة الدارجة الآن هو الكتاب المنزل من الله عليه لبيان الشريعة وغيرها.
وهم متفقون أيضا على أن هذه النقول قد تلقوها متواترة في أجيالهم وطبقاتهم يدا عن يد إلى الجيل السامعين من موسى دعوى الرسالة المشاهدين لمعجزاته، ويؤيد نقل اليهود المعاصرين ومن قاربهم نقل طبقات المسلمين وطبقات النصارى عن طبقات اليهود ولكنه منقطع ينتهي في أثناء سلسلة التواتر إلى طبقات اليهود دون غيرهم وذلك ظاهر فإن المسلمين أولهم من العرب والعجم وجملة من الأمم الذين ينكرون نبوة موسى ومعجزاته وكذا النصارى في أممهم.