وكليمك موسى. وأن انسب لجلال وجهك أن ترسل من يرد عليك بمثل هذا الرد.
وأما قول المتكلف فيما تقدم من كلامه إنما دأب القرآن الاستخفاف بالذنوب فنقول فيه: إن القرآن الكريم كلام الله العليم الحكيم لم يجر على مجرى العهدين الرائجين في الوقيعة بقدس موسى والأنبياء ونسبة فضائح الذنوب والكفر إليهم كما سنذكر بعضه في هذه المقدمة إن شاء الله ولم يكن القرآن ليجمع على العقل والنقل بين المتناقضين وهما الرسالة وقبائح الذنوب.
وأما قوله: إن موسى ترك الأفضل فهو من الظرائف أفما ذكر عنه في التوراة في خطابه مع الله يعد من ترك الأفضل، أو أن ترك الأفضل يستدعي غضب الله، ولعل المتكلف سمع من المسلمين بلفظ ترك الأفضل ولم يصل إلى حقيقة المراد منه.
وأما ما ورد في القرآن الكريم في سورة الكهف 64 - 82 في الحكاية عن شأن موسى والرجل الذي آتاه الله شيئا من علم الغيب من قوله تعالى:
(فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما) إلى قوله تعالى: (وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا) فقد حاول المتكلف " يه 1 ج ص 42 " أن يجعل فيه قدحا بقدس موسى وأنى له ذلك.
ولنكشف نقاب الغفلة عن وجه هذه الآيات، فلا يذهب عليك أن الله جلت عظمته وعظمت آلاؤه قد قسم رحمته وفضله على عباده حسبما اقتضته حكمته في خلقه فأنعم على هذا العبد الصالح الذي يقال إنه الخضر بشئ من علم الغيب وأسرار الحقائق، وأنعم على موسى كليمه فخصه في ذلك العصر بسيادة الرسالة بالشريعة وحقائق العرفان بالله وقوانين السياسة المدنية والسيطرة على تربية الناس وتأديبهم على ذلك بالدعوة إليه والاجراء له حسب فرصة الوقت من الاجراء بالقول والفعل وعلى حكمة التمدن من مراعاة ظاهر الحال وحجبه عن علم الغيب الذي لا مسيس له بحكمة وظيفته، فلما اجتمع موسى مع ذلك العبد الصالح طلب منه أن يطلعه على شطر مما منحه الله من علم الغيب ولم يتواطئا على أن يكون كل ذلك بأسرار الأفعال الجارية بحسب