المقدمة الحادية عشرة في وجوب النظر في دعوى الرسالة ليعرف أمرها من حيث الصدق فيجب الإيمان بها أو الكذب فيجب جحودها أو يبقى أمرها مرددا مجهول الحال فيجب العمل على ما يقتضيه العقل وطريقة العقلاء في مثل هذه الموارد، ولعمري أن هذا المقام لهو الذي يرفع به الشيطان راية الغواية ويستنهض جنده ويعد عدته ويرتب جيشه فيجعل الغفلة على مقدمته، والعصبية على ميمنته، والتقليد على ميسرته، وحب الراحة على القلب وحب الدنيا في الكمين والميل مع الهوى جاسوسه فيستخدم النفس الأمارة وزيرا على هذا الجند لأنه طالما استسلس قيادها لغوايته وجربها في طاعته أعاننا الله وجميع الراغبين في الحق على مكائد الشيطان ومخادعاته وهدانا بنور العقل وبصيرة الهدى إلى الصواب إنه أرحم الراحمين.
اعلم هداك الله إلى الحق اليقين، وكفاك شر الشيطان اللعين أنه إذا قام مدعي النبوة والرسالة ودعي إلى الإيمان به وقبول ما يدعيه من الوحي وأخبر أن عدم الإيمان به مستلزم لوبال الضلال وموجب لأليم العقاب وشديد النكال فلا شك أن هذه الدعوى قبل النظر في الشواهد والموانع محتملة للصدق والكذب فيقع المدعو حينئذ بين أخطار ثلاثة لأنه إن تسرع إلى تصديقها من دون نظر وتثبت في أمرها كان مخاطرا في ذلك لاحتمال كذبها في الواقع ولخوف ضرر الضلال بالإيمان بها واتباع تعاليمها الفاسدة الكاذبة التي تعمى عن الحق، وإن تسرع إلى تكذيبها من دون نظر وتثبت في أمرها كان مخاطرا أيضا في ذلك