باتفاق المسلمين، حتى أن عائشة رضي الله تعالى عنها لما أنكرت سماع أهل القليب، وافقت على العلم وقالت: إنما قال: (إنهم الآن ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق).
بل غير المسلمين من الفلاسفة وغيرهم ممن يقول ببقاء النفوس، يقولون بالعلم بعد الموت، ولم يخالف في بقاء النفوس إلا من لا يعتد به.
وليس مرادنا أنها واجبة البقاء، كما قال به بعض أهل الزيغ والإلحاد، ولا أنها تبقى دائما وإن كانت ممكنة، فإنه قد يفنيها الله تعالى عند فناء العالم، ثم يعيدها، إنما المراد أنها تبقى بعد موت البدن، ثم بعد ذلك إن فنيت أعيدت مع البدن يوم القيامة، وإن لم تفن أعيد البدن ورجعت.
وما دامت باقية تدرك المعقولات بلا إشكال.
وأما إدراكها للمحسوسات كالسمع وغيره، ففي حال تعلقها بالبدن اختلف المتكلمون هل هي المدركة فقط - والحواس بمنزلة الطاقات - أو الحواس تدرك، ثم تنقل إليها؟ كالحجاب يسمعون، ثم ينقلون إلى الملك؟
وعلى كل من القولين، هي مدركة للمسموع، ولم يقم دليل على أن اتصالها بالبدن شرط في هذا الادراك، بل الظاهر أنه ليس بشرط، كما أنه ليس بشرط في العلم بالمعقولات، ونحن يكفينا بيان إمكان ذلك عقلا، فإذا ورد به سمع اتبع.
ولسنا في مقام إثباته بمجرد العقل، بل في مقام عدم استحالته، وأنه ليس الأمر على ما توهمه السائل.
وما ذكره من مشروطية السمع بالحياة صحيح، والحياة تتصف الروح بها، وبيان ذلك يحوج إلى الكلام في حقيقة النفس.
وقد أكثر الناس الكلام فيها والتصانيف، وتباينت فيها أقوال الناس، هل هي جسم، أو عرض، أو مجموعهما، أو جوهر فرد متحيز، أو جوهر مجرد غير