المحقق البليغ الأديب المدقق، إمام الشعراء وأشعر العلماء وأبلغ الفصحاء وأفصح الحكماء، الشيخ شرف الدين أبو عبد الله محمد بن سعيد بن حماد بن محسن بن عبد الله بن صهناج بن هلال الصهناجي، كان أحد أبويه من بوصير الصعيد، والآخر من دلاص، فركبت النسبة منهما فقيل: الدلاصيري، ثم اشتهر بالبوصيري.
أخذ عنه: الإمام أبو حيان، والإمام اليعمري، وأبو الفتح ابن سيد الناس، ومحقق عصره العز بن جماعة وغيرهم. وكان من عجائب الدهر في النظم والنثر، ولو لم يكن له إلا قصيدته المشهورة بالبردة، التي تسبب نظمها عن وقوع فالج به أعيى الأطباء، ففكر في إعمال قصيدة يتشفع بها إليه صلى الله عليه وسلم، وبه إلى ربه، فأنشأها فرآه ماسحا بيده الكريمة فعوفي لوقته، لكفاه ذلك شرفا وتقدما، كيف؟ وقد ازدادت شهرتها إلى أن صارت الناس يتدارسونها في البيوت والمساجد كالقرآن] من قصيدته الهمزية المشهورة العذبة الألفاظ الجزلة المباني، العجيبة الأوضاع البديعة المعاني، العديمة النظير، البديعة التحرير، إذ لم ينسج أحد على منوالها، ولا وصل إلى حسنها وكمالها، حتى الإمام البرهان القيراطي المولود سنة 726 والمتوفى سنة 782، فإنه مع جلالته وتضلعه في العلوم النقلية والعقلية، وتقدمه على أهل عصره في العلوم العربية والأدبية، لا سيما علم البلاغة ونقد الشعر واتفاق الصنعة وتمييز حلوه من مره، ونهايته من بدايته، أراد أن يحاكيها ففاته السبب وانقطعت به الحيل عن أن يبلغ من معارضتها أدنى أرب، وذلك لطلاوة نظمها وحلاوة رسمها، وبلاغة جمعها، وبراعة صنعها، وامتلاء الخافقين بأنوار جمالها وإدخاص دعاوي أهل الكتابين ببراهين جلالها، فهي دون نظائرها الآخذة بأزمة العقول، والجامعة بين المعقول والمنقول والحاوية لأكثر المعجزات، والحاكية للشمائل الكريمة على سنن قطع أعناق أفكار الشعراء عن أن تشرئب إلى محاكات تلك المحكيات السالمة من عيوب الشعر.
لكنها - وإن شرحت وتعاورتها الأفكار وخدمت - تحتاج إلى شرح جامع،