العموم وسياق مسلم على الخصوص جناية كبيرة، اللهم إلا أن يوجه إعراضه عن سياق مسلم بالخصوص، لأنه جاء محرفا من زيد بن أرقم، ويدل عليه قول زيد نفسه في أول الحديث: " والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي.. " فلعل البخاري التزم جانب الاحتياط فلم يروه، لكن من المستبعد أن يستند أهل السنة - المعدلين لزيد بن أرقم وغيره من الصحابة - إلى هذا التوجيه في مقابلة أهل الحق، ولو سلمنا ذلك فلا يبقى وجه يعتذر به لإعراضه عن الألفاظ والطرق التي رواها الحاكم في (المستدرك) وصححها على شرط الشيخين.
ومن هذا وأمثاله يعلم أن مسلما قد يظهر طرفا من الحق ولا يعرض عنه كالبخاري تماما، وهذا هو السبب في تأخر رتبة كتابه عن رتبة كتاب البخاري عند أولئك المتعصبين المتعندين، الذين لا يروق لهم ذكر أي فضيلة لأهل البيت عليهم السلام ولأمير المؤمنين عليه السلام خاصة.
السادس: لقد نسب مرة أخرى رواية جملة: " وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " إلى الترمذي فقط، وقد علمت بطلانها قريبا، وأحرزت أنه قد رواها قبل الترمذي وبعده كثير من الحفاظ والمحدثين العظام، وأصحاب الصحاح والآثار وشيوخ الحديث والرواية.
السابع: لقد طعن في جملة: " وإنهما لن يفترقا.. " زاعما طعن غير واحد فيها، رغم أنه لم يذكر أحد أولئك العلماء الذين طعنوا فيها، لكن قد أثبتنا سابقا صحة هذه الفقرة من حديث الثقلين أيضا، وبينا بطلان طعنه هذا وكذبه في دعواه هذه، عند رد كلام ابن الجوزي سابقا، وكذا في دفع كلام ابن تيمية نفسه المتقدم قريبا.
ومع ذلك نقول: إنه قد أخرج أبو عوانة هذه العبارة الكريمة ضمن حديث الثقلين برواية زيد بن أرقم في كتابه (المسند الصحيح) كما تقدم، وبالإضافة إلى أن مجرد إخراج أبي عوانة دليل على صحتها - كما عرفت - لكون كتابه مستخرجا على صحيح مسلم، فإنه لا شك في صحتها، لاقتصار