وهنا، نصل إلى نكتة على غاية من الحساسية والدقة، فالقرآن الكريم يسعى لتطهير أذهان الناس من خيال توهم المرء نفسه عالما، ليجعلهم علماء واقعيين.
إن القرآن يسعى إلى إنقاذ اتباع المدارس كافة والمعتقدين بجميع العقائد من مرض المعرفة الخيالية الناشئة عن التقليد الأعمى، والوصول بهم إلى المعرفة الحقيقية والعلم الواقعي (1)، ولهذا، يحمل بشدة على من يفضلون التقليد على التحقيق، والانصياع إلى السنن والتقاليد بدلا من الانصياع إلى الحقائق والواقع.
لقد وردت بهذا الخصوص آيات متعددة في القرآن الكريم، نذكر منها اثنتين على سبيل المثال:
قال سبحانه:
(وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا). (2) يعني عندما يقال للمحافظين الجامدين على السنن التقليدية الموروثة والمتبعين للتقاليد والعادات والعقائد المأثورة عن الآباء والأمهات والأقوام والقبائل والمجتمع: تعالوا وانظروا ماذا يقول الله ورسوله، لقد سمعتم كلام الجميع، تعالوا واسمعوا كلامنا أيضا، ثم تدارسوا وارجعوا إلى عقولكم فتبينوا ما الأصح فيما بين هذه الكلمات، فإذا تبين لكم صدق ما يقول الله ورسوله فتقبلوا كلامهما واعملوا به، وإن رأيتم أن ما يقوله آباؤكم وأمهاتكم أو سنن قومكم وقبيلتكم أو خطط أحزابكم وتنظيماتكم هو الصواب فاتبعوهم، فيجيبون على هذا الكلام المنطقي بقولهم: لسنا في حاجة لسماع كلام الله ورسوله، وحسبنا ما اكتفيا به من عقائدنا التقليدية وسنننا الموروثة التي وصلتنا من آبائنا.