(ولا تقف ما ليس لك به علم). (1) فهذه الآية الكريمة توصي الإنسان بما يصدر عن العقل من حكم صريح، بمعنى: أيها الانسان، اتبع نداء الضمير وما يصدر العقل من أمر صريح واضح في المسائل العقيدية، وإياك والتقليد الأعمى، وما لم يتحقق لديك الوعي بصحة أي نظرية ما لا تجعلها معيارا وملاكا لأعمالك ولا تتبعها.
وآية أخرى:
(إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون). (2) الصم والبكم في هذه الآية ليسوا من فقدوا حاسة السمع وخرسوا عن الكلام، وإنما هم من تصفهم الآية بأنهم (لا يعقلون) أي: ليسوا من أهل التعقل والتفكير في المسائل العقائدية، وهم من أشير إليهم في آية أخرى أن:
(لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها). (3) لهم قلوب لا يصلون بها إلى الوعي والمعرفة، ولهم عيون لا ترى الحقيقة، ولهم آذان لا تعي كلام الحق، فالمقصود إذا المغمضون عيونهم، المصمون آذانهم، الحابسون ألسنتهم، المتذيلون للآخرين، المتبعون عقائد الأغيار بدون دليل أو برهان، بدلا من أن يتبعوا عقولهم وتفكيرهم الذاتي.
وهكذا، يحرر القرآن الكريم يد الإنسان ورجله من أصفاد التقليد الأعمى، ويعتق البشر من أغلال الرق الفكري للآخرين، ويمنح أفراد المجتمع كلا على حدة استقلاله الفكري وحقه في إبداء رأيه وإظهار وجهة نظره، حتى إذا ما تحرر الناس من ربقة التقليد العقيدي أهاب بهم إلى التأمل والتحقيق.