(لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي). (1) وهذه الآية علاوة على رفضها الصريح الإكراه على العقائد الدينية فقد قدمت الدليل صراحة على حرية الإنسان حتى في الاعتراف العملي بما يعتقده حقا، حيث قالت في البداية: إن قبول العقائد الإسلامية والاعتراف العملي بها ليس إجباريا، وللناس الحرية في اعتناق الإسلام: (لا إكراه في الدين) ثم أردفت مباشرة بتقديم الدليل الكافل لهذه الحرية بأن الطريق واضح، فإما الهدى وإما الضلال:
(قد تبين الرشد من الغي).
إن الدين، برنامج وطريق لتكامل الإنسان، وحتى ينفذ الإنسان هذا البرنامج ويطوي هذا الطريق ينبغي له إما أن يكون عالما بالطريق فيمكنه أن يطويه بإرادة وحرية، وإما أن يساق في هذا الطريق إجبارا.
وفي نظر القرآن الكريم أنه إذا ما توضحت معالم الطريق لتكامل الإنسان فغير منطقي أن يكون الدين اجباريا، فمجرد الدليل في حد ذاته يقتضي حرية الإنسان في اختيار طريق تكامله. فالتكامل أمر اختياري، والإنسان يدرك الحكمة في خلقه حالما يختار الطريق الصحيح بملء حريته واختياره ليس إلا، فإذا ما وضح الطريق الصحيح وأساء الإنسان الاستفادة من حريته وانحرف عن الطريق الذي يتيقن صحته، إلى طريق يتيقن خطأه فقد انتفى هنا معنى الإجبار، فليترك ليتردى وينال جزاء اختياره.
والنقطة التي تسترعي النظر هنا بما لم يسبق أن نوه اليه - فيما اطلع عليه الراقم - أن الدليل الذي تقدمه هذه الآية الكريمة: (قد تبين الرشد من الغي) على حرية الناس في اعتناق الإسلام بل وجميع الآيات التي تتعرض لمسألة الإكراه والإجبار