لقد جرت سيرة العقلاء في كل فن على رجوع الجاهل إلى العالم والخبير في ذلك الفن، وليس ذلك لاتفاق سابق بينهم أو لأمر تعبدي، بل هو الطريق الوحيد لمعرفة الجاهل في كل علم لا يمكنه البحث فيه بنفسه، فلا يكون له خيار سوى الرجوع إلى العالم الذي يثق بعلمه وخبرته في ذلك المجال، فيكون كل منهما عالما في الحقيقة، غاية ما هنالك ان علم العالم تفصيلي، في حين ان علم الجاهل والمقلد له إجمالي.
هذا مضافا إلى ان امام العصر نفسه قد أرجع الشيعة - وفقا للتوقيع الصادر عنه - في غيبته إلى الفقهاء والمجتهدين الذين يستندون إلى روايات أهل البيت (عليهم السلام) حيث أجاب على واحد من أسئلة إسحاق بن يعقوب قائلا: " و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم، وانا حجة الله عليهم "، (1) فالامام لم يرجع الناس إلى الروايات، وانما أرجعهم إلى الرواة، ولابد انه أراد ذوي الفهم والاجتهاد منهم.
وفي رواية معتبرة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال فيها: " الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا، قيل: يا رسول الله وما دخولهم في الدنيا؟ قال: إتباع السلطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم "، (2) اي لابد من الاعتماد على الفقيه المستقل الذي لم يبع دينه بدنياه.
وقد صدر هذا الكلام عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل ان يكون هناك فقهاء، فضلا عن ان يكونوا اتباع السلطان، مما يدل على انه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يرى المستقبل