وعملوا بها لارتفاع الظلم والعدوان من الأرض، ولرأيت البشر إخوانا على سرر متقابلين قد كملت لهم أعلى درجات السعادة الاجتماعية ولتحقق حلم الفلاسفة الأقدمين في المدينة الفاضلة، فما احتاجوا حينما يتبادلون الحب والمودة إلى الحكومات والمحاكم، ولا إلى الشرطة والسجون، ولا إلى قانون للعقوبات وأحكام للحدود والقصاص، ولما خضعوا لمستعير ولا خنعوا لجبار، ولا استبد بهم الطغاة، ولتبدلت الأرض غير الأرض وأصبحت جنة النعيم ودار السعادة.
أزيدك، أن قانون المحبة لو ساد بين البشر - كما يريده الدين بتعاليم الاخوة - لانمحت من قاموس لغاتنا كلمة (العدل)، بمعنى أنا لم نعد نحتاج إلى العدل وقوانينه حتى نحتاج إلى استعمال كلمته، بل كفانا قانون الحب لنشر الخير والسلام، والسعادة والهناء، لأن الإنسان لا يحتاج إلى استعمال العدل ولا يطلبه القانون منه إلا إذا فقد الحب فيمن يجب أن يعدل معه، أما فيمن يبادله الحب كالولد والأخ إنما يحسن إليه ويتنازل له عن جملة من رغباته فبدافع من الحب والرغبة عن طيب خاطر، لا بدافع العدل والمصلحة.
وسر ذلك أن الإنسان لا يحب إلا نفسه وما يلائم نفسه، ويستحيل أن يحب شيئا أو شخصا خارجا عن ذاته إلا إذا ارتبط به وانطبعت في نفسه منه صورة ملائمة مرغوبة لديه. كما يستحيل أن يضحي بمحض اختياره له، في رغباته ومحبوباته لأجل شخص آخر لا يحبه ولا يرغب فيه، إلا إذا تكونت عنده عقيدة أقوى من رغباته مثل عقيدة حسن العدل والإحسان، وحينئذ إذ يضحي بإحدى رغباته إنما يضحي لأجل