أما نفس عمل الإمام الحسين عليه السلام ماذا كان؟ فهنا يصمت المتكلمون عن الكلام! يقول أبو بصير رحمه الله: (كنت عند أبي عبد الله (الإمام الصادق عليه السلام) أحدثه، فدخل عليه ابنه فقال له مرحبا وضمه وقبله وقال: حقر الله من حقركم، وانتقم ممن وتركم، وخذل الله من خذلكم، ولعن الله من قتلكم، وكان الله لكم وليا وحافظا وناصرا، فقد طال بكاء النساء وبكاء الأنبياء والصديقين والشهداء وملائكة السماء. ثم بكى وقال:
يا أبا بصير إذا نظرت إلى ولد الحسين أتاني ما لا أملكه مما أتي إلى أبيهم وإليهم، يا أبا بصير إن فاطمة لتبكيه وتشهق فتزفر جهنم زفرة لولا أن الخزنة يسمعون بكاءها وقد استعدوا لذلك مخافة أن يخرج منها عنق أو يشرد دخانها فيحرق أهل الأرض فيكبحونها ما دامت باكية، ويزجرونها ويوثقون من أبوابها مخافة على أهل الأرض، فلا تسكن حتى يسكن صوت فاطمة.
وإن البحار تكاد أن تنفتق فيدخل بعضها على بعض، وما منها قطرة إلا بها ملك موكل، فإذا سمع الملك صوتها أطفأ نارها بأجنحته، وحبس بعضها على بعض مخافة على الدنيا وما فيها ومن على الأرض، فلا تزال الملائكة مشفقين، يبكونه لبكائها، ويدعون الله ويتضرعون إليه، ويتضرع أهل العرش ومن حوله، وترتفع أصوات من الملائكة بالتقديس لله مخافة على أهل الأرض. ولو أن صوتا من أصواتهم يصل إلى الأرض لصعق أهل الأرض، وتقطعت الجبال وزلزلت الأرض بأهلها.
قلت: جعلت فداك إن هذا لأمر عظيم! قال: غيره أعظم منه ما لم تسمعه، ثم قال لي: يا أبا بصير أما تحب أن تكون فيمن يسعد فاطمة؟ فبكيت حين قالها، فما قدرت على المنطق، وما قدرت على كلامي من البكاء، ثم قام إلى المصلى يدعو، فخرجت من عنده على تلك الحال، فما انتفعت بطعام وما جاءني النوم وأصبحت صائما وجلا حتى أتيته، فلما رأيته قد سكن سكنت، وحمدت الله حيث لم تنزل بي عقوبة!). (كامل الزيارات ص 169)