سبيل المحبوب، والمواساة في التطبير صادقة، لأنها جرح للنفس في الموضع الذي جرح فيه المحبوب، جرحا يستثير في النفس حس الفداء وحب الانتقام من ظالميهم.
أما قولكم: وأما بعض الموارد التي يستأنس منها معنى المواساة كالإمساك عن الطعام في يوم عاشوراء، فلم يرد بلفظ المواساة فيما أعلم ولا بغيرها، وإن عبر عنه بعض العلماء كذلك. ففيه: أن التعبير ليس هو المهم، بل المهم هو المؤدى وصدق المواساة، وهو حاصل في الإمساك عن الطعام.
ولا تنس أنك اعتبرت في أواخر ردك أن التبرع بالدم هو نوع من المواساة، مع أنه لم يرد في الروايات! على أنه إن لم يرد بلفظ المواساة في حدود علمي فإنه قد ورد بعنوان الجزع، ولهذا فقولكم: ولا بغيرها: أي بغير المواساة، غير تام، فقد روى ابن قولويه في كامل الزيارات عن مسمع بن عبد الملك كردين البصري أنه قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا مسمع أنت من أهل العراق، أما تأتي قبر الحسين عليه السلام؟ قلت: لا، أنا رجل مشهور عند أهل البصرة، وعندنا من يتبع هوى هذا الخليفة، وعدونا كثير من أهل القبائل من النصاب وغيرهم، ولست آمنهم أن يرفعوا حالي عند ولد سليمان فيمثلون بي. قال لي: أفما تذكر ما صنع به؟ قلت: نعم، قال: فتجزع؟ قلت: إي والله وأستعبر لذلك حتى يرى أهلي أثر ذلك علي فأمتنع من الطعام حتى يستبين ذلك في وجهي. قال عليه السلام: رحم الله دمعتك، أما إنك من أهل الجزع لنا). لاحظ أن الإمام عليه السلام مدح جزعه الذي حصل فيه امتناع عن الطعام حتى استبان الضعف في وجهه.