الأمر الثاني: أن ما ذكره صاحب العروة من الموارد التي يكره لبسها في الصلاة ليس على إطلاقه، إذا لا يوجد ملاك الكراهة في بعضها، بل لا دليل معتبرا على أكثرها، والموجود إنما هو دليل ضعيف سندا وقابل للمناقشة دلالة.
وعليه ففتوى صاحب العروة وسائر من وافقه على ذلك مبتن على أحد أمرين في فهم روايات أخبار (من بلغ).
توضيح ذلك: أن هناك عدة روايات وفيها الصحاح دلت على أن من بلغه ثواب على عمل وأتى به رجاء ذلك الثواب فإنه يعطى إياه وإن لم يقله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو المعصوم عليه السلام، لاشتباه الراوي، أو لاعتماده في النقل على آخر، ويعبر عن هذه الأخبار ب (أخبار من بلغ) وعن القاعدة ب (التسامح في أدلة السنن).
المراد من الروايات: واختلف في المراد من هذه الروايات على وجوه منها:
الوجه الأول: إن ما يشترط تحققه في حجية الأخبار الدالة على حكم إلزامي (الوجوب والحرمة) أو المستلزمة لحكم إلزامي ك (النجاسة والملكية والزوجية) غير مأخوذ في الأحكام غير الإلزامية، أعني الاستحباب والكراهة. وبعبارة أخرى: إن الخبر في غير الأحكام الإلزامية معتبر وإن كان ضعيف السند، ما لم يحصل العلم بكذبه، لعدم اشتراط شئ في اعتبار حجيته.
الوجه الثاني: إن أصل قيام الخبر المحتمل أنه قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو الإمام عليه السلام هو بنفسه من العناوين المرجحة، فإذا كان ذلك الخبر يتضمن ثوابا على عمل، فذلك العمل يكون مستحبا.
نتيجة الوجهين: إنه إذا قام الخبر الضعيف على وجوب العمل الفلاني فإنه لا يثبت وجوبه، نعم يثبت بذلك استحبابه، بمقتضى ما تقدم. فالفتوى بالكراهة (مع كون الخبر ضعيفا) متوقف على الالتزام بأحد هذين التفسيرين.