بسم الله الرحمن الرحيم قال صاحب العروة قدس سره: فصل فيما يكره من اللباس حال الصلاة أمور: أحدها الثوب الأسود حتى للنساء عدا الخف والعمامة والكساء، ومنه العباء، والمشبع منه أشد كراهة.
وقبل الدخول في صلب البحث ينبغي التعرض لمقدمة تشتمل على أمور:
الأمر الأول: قد قرر في علم الأصول أن التكليف إذا تعلق بالطبيعي، ثم تعلق نهي تنزيهي ببعض أفراد ذلك الطبيعي، فلا يراد من هذا النهي المعنى المصطلح أعني الكراهة المصطلحة، بمعنى ما يثاب على تركه ولا يعاقب على فعله، بل هو إرشاد إلى وجود منقصة في هذا الفرد بخصوصه، ويعبر عنه في لسان العلماء بالإرشاد إلى كونه أقل الأفراد ثوابا. ولا فرق في التكليف المتعلق بالطبيعي بين كون إلزاميا أو استحبابيا.
إذا اتضح هذا فليس الكراهة في محل البحث هي الكراهة المصطلحة، فإن الكراهية بمعنى رجحان الترك غير معقولة في العبادات، بل هي مستحيلة فيها لعدم اجتماع المبغوضية والمقربية في شئ واحد، وذلك لأن العبادة تتقوم بأمرين: الأول: أن يوجد في نفس العمل مصلحة، ويعبر عن ذلك بقابلية العمل للتقرب. الثاني: أن يؤتى بالعمل متقربا به إلى الله. فإذا اجتمع هذان الأمران في الفعل كان الفعل عباديا صحيحا واقعا، والمكروه بالمعنى المصطلح لا يصلح للتقرب به، لعدم المصلحة فيه، وعليه فإذا قيل مثلا: إن الصلاة في اللباس الأسود مكروهة، فليس صلاة المصلي فيه باطلة، بل هي صحيحة ومجزية، فالنهي عن لباسه في الصلاة إرشاد إلى أنها فيه أقل ثوابا وأدنى ملاكا من الصلاة في غيره.