ولم يبين الوجه في عدم شمول هذه الروايات لذلك. والوجه في عدم الشمول هو أن في لبس المؤمنين الثياب السوداء في وفيات الأئمة عليهم السلام وبالخصوص في أيام محرم الحرام وشهر صفر إظهارا لمودتهم وحبهم لأهل البيت عليهم السلام فيحزنون لحزنهم، وإن هذا العمل من المؤمنين إحياء لأمر أهل البيت عليهم السلام، وقد روي عنهم عليهم السلام: رحم الله من أحيا أمرنا، فإذا ارتدى عامة الناس من الرجال والشباب والأطفال الثياب السود كان ذلك ظاهرة اجتماعية تلفت نظر الغريب فيسأل ماذا حدث، بالأمس كان الأمر طبيعيا وكانت ألوان ثياب الناس مختلفة واليوم فقد لبسوا كلهم السواد؟ فعندما يوضح له بأن اليوم يوم حزن ومصيبة على ريحانة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الحسين بن علي عليه السلام، فهذا الأمر في حد نفسه إحياء لأمره عليه السلام، ولهذا اشتهر أن بقاء الإسلام بشهري محرم وصفر، وذلك لأن حقيقة الإسلام والإيمان قد أحييا بواقعة كربلاء، وهذا دليل على أنه لابد من المحافظة عليه، لتراه الأجيال القادمة ماثلا أمامهم، فيحصل لهم اليقين به، فإن الإمام الحسين عليه السلام نفسه قد أثبت أحقية التشيع، وأبطل ما عداه.
علم الإمام الحسين عليه السلام باستشهاده:
إن الإمام الحسين عليه السلام يعلم بأنه سوف يستشهد، ومع ذلك حمل روحه على كفيه وخرج طالبا الشهادة، وما ذلك إلا من أجل إحياء الدين وشريعة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم. وقد أخبر عليه السلام باستشهاده، فعن أبي عبد الله عن أبيه عن جده عن الحسين بن علي عليهم السلام قال: والذي نفس حسين بيده لا ينتهي بني أمية ملكهم حتى يقتلوني وهم قاتلي، فلو قد قتلوني لم يصلوا جميعا أبدا، ولم يأخذوا عطاء في سبيل الله جميعا أبدا....