ولعل ما ذكره ابن الأثير في تاريخه " الكامل " يعبر عن هذا المعنى في وضوح وصراحة حيث قال: إن مروان بن الحكم وقف على طلحة والزبير بعد خروجهما فقال: على أيكما أسلم بالإمرة وأؤذن بالصلاة؟ فقال عبد الله بن الزبير: على أبي، وقال محمد بن طلحة: على أبي.
وقد ظهر هذا الخلاف بين طلحة والزبير والتنافس على الدنيا لأصحابهما حتى قال بعضهم: والله لو ظفرنا وانتصرنا على علي لاقتتلنا، لأن الزبير ما كان يترك الخلافة لطلحة ولا كان طلحة يتركها للزبير.
ولقد قال سعد بن العاص لطلحة والزبير: أخبراني وأصدقاني إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر؟ قالا نجعله لأحدنا أينا اختاره الناس، قال: بل تجعلونه لولد عثمان، فإنكم خرجتم تطلبون بدمه، فقالا: ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأيتام؟
وقد عمل طلحة والزبير على استمالة عبد الله بن عمر فأتياه فقالا: يا أبا عبد الرحمن إن أمنا عائشة خفت لهذا الأمر رجاء الإصلاح بين الناس فاشخص معنا فإن لك بها أسوة، فإن بايعنا الناس فأنت أحق بها، فقال: أيها الشيخان: أتريدان أن تخرجاني من بيعتي ثم تلقياني بين مخالب ابن أبي طالب؟ أن الناس إنما يخدعون بالدينار والدرهم، وإني قد تركت هذا الأمر عيانا في عافية أنالها، واعلما أن بيت عائشة خير لها من هودجها، وأنتما المدينة خير لكما من البصرة، والذل خير لكما من السيف، ولن يقاتل عليا إلا من كان خيرا منه، فاكفياني أنفسكما.
ولكن هذه النصيحة الغالية من عبد الله بن عمر لم تأت بالثمرة المرجوة، فصمم طلحة والزبير على المضي في طريقهما مع عائشة وقد استطاعوا تجهيز جيش يبلغ عدده ثلاثة آلاف رجل واتفقوا على الخروج إلى البصرة ليقطعوا على الخليفة أمله في العراق فتخرج من طاعته، وكتبوا إلى معاوية في الشام بما فعلوه حتى يمضي هو الآخر في طريقه من إخراج الشام على الخليفة.
ثم خرجوا إلى البصرة وكان أميرها من قبل علي هو عثمان بن حنيف، فلما وصلته