ننعى ابن عفان بأطراف الأسل * الموت أحلى عندنا من العسل فلما رأى علي كثرة القتل حول الجمل وعرف أن الناس لا تسلمه أبدا وفيهم عين تطرف نادى في أصحابه: اعقروا الجمل، فجاء رجل من خلفه وعقره فسقط وسقط الهودج فتفرق الناس وانتهت المعركة. ثم أمر علي بحمل الهودج إلى ناحية بعيدة عن ميدان القتال حتى لا تصاب أم المؤمنين بأذى، وبقيت عائشة في هودجها إلى الليل.
ثم جاءها أخوها محمد بن أبي بكر فأدخلها دارا من دور البصرة، فأقامت بها أياما ثم أرادت الارتحال فجهزها علي بكل ما ينبغي لها من مال وزاد ومتاع واختار لها أربعين امرأة من نساء البصرة ليسرن معها وسير معها أخاها محمد بن أبي بكر، ولقد قالت عائشة حينئذ للناس: إنه والله ما كان بيني وبين علي في القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها أقارب زوجها، وأنه على معتبتي من الأخيار، فقال علي: صدقت وبرت وإنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة.
ولما حانت ساعة الرحيل ودعها علي بنفسه. وسار بجانب الهودج حتى خارج المدينة. وسير أولاده معها مسيرة يوم، وكان ذلك في غرة رجب سنة 36 ه.
فسارت إلى مكة وأقامت بها إلى موسم الحج، ثم توجهت إلى المدينة لتقضي البقية الباقية من أيامها. بعيدة عن النواحي السياسية متجهة إلى طاعة الله وعبادته حتى وافاها الأجل سنة 58 ه.
وهكذا انتهت موقعة الجمل بما حملته من أوزار كبار، وقد ذهب ضحيتها عشرة آلاف من المسلمين، لم يخسر المسلمون مثلهم في أكبر المعارك التي خاضوها في سبيل الله.
إلى أن قال:
والمتأمل في هذه الموقعة يرى أن التبعة فيها تقع أول ما تقع على السيدة عائشة، فلقد خرجت على ولي الأمر الشرعي، ولم تسمع لنصح الناصحين حتى جرفها التيار