وأرادوا قتله لولا أن السيدة عائشة أمرت بإخلاء سبيله بعد أن حلق القوم لحيته وحاحبيه وأشفار عينيه فمسخوه مسخا لا يقره الاسلام في غير مسلم.
وقد أرسلت عائشة إلى أهل الشام بهذا النصر لتشجيعهم على أن يمدوها بالجنود والمال حتى إذا التقت بعد ذلك مع علي كان انتصارها عليه مرجوا غير بعيد المنال.
وأما علي فإنه لم يكن ميالا لقتال عائشة، وكان يتمنى أن ينتهي الأمر بصلح يحقن الدماء ويصون الحرمات، وكان علي يقدر الخسارة الفادحة التي تلحق الغالب والمغلوب إذا نشبت الحرب من جديد.
وبدلنا على ذلك أنه أرسل القعقاع بن عمرو لينصح عائشة وأنصارها ويحذرهم عاقبة الاستمرار في الخلاف والشقاق، وكادت النصيحة تأتي بالثمرة المرجوة.
إلى أن قال:
فوقعت الواقعة بين علي وعائشة، والتقى الجمعان، فئة كبيرة مسلمة يقرب عددها من ثلاثين ألفا وعلى رأسهم عائشة وطلحة والزبير. وفئة كبيرة مسلمة كذلك تقرب منها في العدد والعدة وعلى رأسهم علي بن أبي طالب. وخرج الزبير على فرس له وقد تقلد سلاحه ومعه طلحة بن عبيد الله وقد ناقشهما علي في أمر خروجهما عليه وكاد الزبير يرجع حينما ذكره علي بقول الرسول له: لتقاتلنه أي عليا وأنت ظالم له، لولا أن ابنه عبد الله بن الزبير اتهمه بالجبن والخوف من سيوف علي، فرجع إلى القتال.
ومهما يكن من شئ فقد نشبت المعركة وكانت عائشة في هودجها، وكان يوما عصيبا لم يره المسلمون في حياتهم. فلقد وقف شجعان أهل البصرة يلوذون بجمل عائشة حتى لا تصاب بشر، فقتل حوله عدد كبير منهم وكانوا يرتجزون برجز يدل على مدى عقيدتهم في أنهم على حق حتى أنهم يستقبلون الموت وهم فرحون مستبشرون، فيقول قائلهم:
* نحن بنو ضبة أصحاب الجمل نبارز القرن إذا القرن نزل *