الطبري أن عائشة رضي الله عنها خرجت من مكة إلى المدينة بعد مقتل عثمان فلقيها رجل من أخوالها قال: ما وراءك؟ قال: قتل عثمان واجتمع الناس على علي والأمر أمر الغوغاء، فقالت: ما أظن ذلك تاما، ردوني، فانصرفت راجعة إلى مكة، حتى إذا دخلتها أتاها عبد الله بن عامر الحضرمي وكان أمير عثمان عليها فقال: ما ردك يا أم المؤمنين؟ فقالت: ردني أن عثمان قتل مظلوما، وأن الأمر لا يستقيم ولهذه الغوغاء أمر، فاطلبوا بدم عثمان تعزوا الإسلام، فكان أول من أجابها عبد الله بن عامر الحضرمي ثم تبعه سائر بني أمية، وقدم عليهم طلحة والزبير من المدينة، ثم قالت عائشة لهم بعد نظر طويل:
أيها الناس، إن هذا حدث عظيم وأمر منكر فانهضوا إلى إخوانكم من أهل البصرة فأنكروه فقد كفاكم أهل الشام ما عندهم، لعل الله عز وجل يدرك لعثمان وللمسلمين بثأرهم.
ومن هذه الرواية التي ذكرها الطبري نلاحظ أن السيدة عائشة قد قررت الخروج على ولي الأمر الشرعي ودعت الناس إلى ذلك وكان الدافع لها هو المطالبة بثأر عثمان وبالقصاص من قاتليه، على أن هذا الدافع الذي خرجت من أجله عائشة على علي لا يصلح في تقديرنا عذرا لعائشة ولا تعلة يمكن أن تدافع بها عن نفسها دفاعا يقبله المحايدون المنصفون، وقد بينت السيدة أم سلمة رضي الله عنها خطأ تلك الفكرة التي تملكت عائشة وحاولت أن تثنيها عنها، فلم تستجب عائشة لهذا الصوت العاقل الوقور.
وإليكم ما قالته أم سلمة: من أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم إلى عائشة أم المؤمنين، فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فقد جمع القرآن ذيولك فلا تسحبيها، وسكر خفارتك فلا تبتذليها، ولو علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النساء يحتملن الجهاد عهد إليك، أما علمت بأنه قد نهاك عن الفراطة في الدين، فإن عمود الدين لا يثبت بالنساء إن مال، ولا يرأب بهن إن انصدع، إن