وقيل: لما سقط الجمل أقبل محمد بن أبي بكر إليه ومعه عمار فاحتملا الهودج فنحياه، فأدخل محمد يده فيه فقالت من هذا؟ فقال أخوك البر. قالت: عقق (أي عاق). قال: يا أخية، هل أصابك شئ؟ قالت: ما أنت وذاك؟ قال: فمن إذا الضلال؟ قالت: بل الهداة.
وقال لها عمار: كيف رأيت ضرب بنيك اليوم يا أماه؟ قالت: لست لك بأم. قال:
بلى وإن كرهت. قالت: فخرتم أن ظفرتم وأتيتم مثل الذي نقمتم. هيهات! والله لن يظفر من كان هذا دأبه.
ثم أبرزوا هودجها فوضعوها بعيدا عن الناس. وأتاها علي فقال: كيف أنت يا أمه؟ قالت: بخير. قال: يغفر الله لك. قالت: ولك.
وجاء أعين بن ضبيعة بن أعين المجاشعي حتى اطلع في الهودج. فقالت إليك لعنك الله. فقال والله ما أرى إلا حميراء. فقالت له: هتك الله سترك وقطع يدك وأبدى عورتك. فقتل بالبصرة وسلب وقطعت يده ورمي عريانا في خربة من خرابات الأزد.
وكان علي يقول ذلك اليوم بعد أن فرغ من القتال:
إليك أشكو عجزي وبجري * ومعشرا أغشوا علي بصري قتلت منهم مضرا بمضري * شفيت نفسي وقتلت معشري القتلى ودفنهم:
فلما كان الليل أدخل محمد بن أبي بكر عائشة رضي الله عنها البصرة، فأنزلها دار عبد الله بن خلف الخزاعي على صفية بنت الحارث بن أبي طلحة، وكانت دار عبد الله أعظم دار بالبصرة، وتسلل الجرحى من بين القتلى ليلا فدخلوا البصرة، فأقام علي بظاهر البصرة ثلاثا وأذن للناس في دفن موتاهم فخرجوا إليهم فدفنوهم وطاف علي في القتلى. فلما أتى على كعب بن سور، قال: أزعمتم أنه خرج معهم السفهاء، وهذا الحبر قد ترون، وأتى على عبد الرحمن بن عتاب فقال: هذا يعسوب القوم، يعني أنهم كانوا يطيفون به. واجتمعوا على الرصافة لصلاتهم. ومر علي على طلحة بن عبيد