وقالا بعد ذلك أنهما إنما بايعاه مرغمين، وما لبثا أن استأذناه في العمرة فأذن لهما بعد تردد، فقدما مكة واجتمعا بعائشة هنالك واتفق رأيهم على الطلب بثأر عثمان ومحاربة علي لأنه عندهم اشترك في قتله وطالبوه بأن يقتص من القتلة. أما معاوية فأبى أن يبايع الخليفة لأنه علم أنه سيعزله من ولاية الشام بعد أن ثبت قدمه فيها إذ المحاصرون لعثمان رضي الله عنه كانوا يطالبونه بعزل أقاربه، فأراد علي رضي الله عنه أن لا يبقيهم في مراكزهم فضا للخلاف الذي أدى للثورة وقتل عثمان وعد بقاءهم نقصا في دينه، وكان معاوية عاملا للخليفة فله أن يبقيه أو يعزله، ولم يكن مرشحا للخلافة بعد عثمان. فأراد أن يستقل بالشام لكنه كتم ذلك، وتظاهر بالمطالبة بثأر عثمان، فحرض أهل الشام على محاربة علي لذلك. علم علي بتخلف معاوية عن بيعته ففاوضه، فأبى فاستعد لمحاربته بعد أن يئس منه. ولم يكن يتوقع أن يشتبك في قتال عائشة وجيشها فلما علم بمسيرها حول اتجاهه وسار إليها، ولم يفلح في إقناعها بالعدول عن الحرب وتمسكت بالمطالبة بثأر عثمان مع أنها كانت تحرض الناس عليه قبل أن يقتل. فكيف إذن تنقلب هذا الانقلاب؟ قالوا إنها حقدت عليه منذ حادثة الإفك (راجع هذا الباب في كتاب محمد رسول الله للمؤلف)، وكانت تريد أن يلي الخلافة طلحة. فلما بايع الناس عليا جمعت الجموع بمكة وخطبت في الناس تحثهم على محاربة علي وأصحابه طلبا بثأر عثمان، واعتبرت عليا من قتلته وهو برئ من ذلك كما صرح مرارا، وكما تدل على ذلك الحوادث. ثم إنه كان ناقما من سياسة عثمان. تلك السياسة التي ألبت الناس عليه. لكن عثمان رضي الله عنه كان متأثرا بأقار به فلم يستطع أن يعالج الحالة وأصر على الاحتفاظ بمراكزهم بالرغم من كل تهديد، ومن الحصار الشديد الذي ضربوه حول منزله. وهذا ما أوجب حيرة علي فعجز أولا أن يفك الحصار ويصرف المحاصرين نهائيا، وإن كان قد صرفهم. لكنهم عادوا بعد أن تأكدوا أن عثمان ماض على ما كان عليه لا يجيب لهم طلبا. فأقام علي رضي الله عنه على باب عثمان حراسا من ابنيه وأبناء الصحابة وشدد عليهم. ولم يكن لدى علي
(٤٩٣)