شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٣٢ - الصفحة ٤٨٧
عثمان، وحمل علي بنفسه وقاتل حتى اثنى سيفه.
احتدام القتال:
لما رأت عائشة رضي الله عنها أن الناس لا يكفون عن القتال، وأنهم يريدونها، أرسلت إلى عبد الرحمن بن عتاب، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن أثبتا مكانكما وحرضت الناس فحملت مضر البصرة، حتى قصفت مضر الكوفة، حتى زحم علي. فنخس قفا ابنه محمد، وكانت الراية معه، وقال له أحمل. فتقدم حتى لم يجد متقدما إلا على سنان رمح لشدة التزاحم، فأخذ علي الراية من يده. وقال: يا بني بين يدي، وحملت مضر الكوفة فاجتلدوا أمام الجمل حتى خرسوا والمجنبتان على حالهما لا تصنع شيئا ومع علي قوم من غير مضر منهم زيد بن صوحان فأصيب هو وأخوه، واشتد القتال، فما رؤى وقعة كانت أعظم منها من قبلها ولا بعدها أكثر ذراعا مقطوعة، ولا رجلا مقطوعة وعائشة تحرض جيشها على القتال وصار مجنبتا علي إلى القلب، وصار كلما أخذ الخطام أحد قتل، وأخذ الخطام الأسود بن أبي البختري فقتل، وأخذه عمرو بن الأشرف فقتل، وقتل معه ثلاثة عشر رجلا من أهل بيته، وهو أزدي، وجرح مروان بن الحكم وجرح عبد الله بن الزبير سبعا وثلاثين جراحة من طعنة ورمية (1).

(١) قال الفاضل الأمير أحمد حسين بهادر خان الحنفي البريانوي الهندي في كتابه " تاريخ الأحمدي " (ص ١٨٢ ط بيروت سنة ١٤٠٨):
وفي " تاريخ أبي الفداء "، قال علي: اعقروا الجمل فضربه رجل فسقط فبقيت عائشة في هودجها إلى الليل وأدخلها محمد بن أبي بكر أخوها إلى البصرة وأنزلها في دار عبد الله بن خلف.
وقال الفاضل المعاصر حسن كامل الملتاوي في كتابه " رسول الله في القرآن " (ص ٣٤٠ ط دار المعارف - القاهرة):
وروى الطبري: ونادى علي أن اعقروا الجمل، فإنه إن عقر تفرقوا، فضربه رجل فسقط، فما سمع صوت أشد من عجيج الجمل.
ولما احتملت السيدة عائشة رضي الله عنها بهودجها أمر الإمام بالجمل أن يحرق ثم يذر في الريح، وقال: لعنه الله من دابة، فما أشبهه بعجل بني إسرائيل، ثم قرأ كرم الله وجهه: (وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا، لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا).
وتفرق الناس بعد موت الجمل، فنادى منادي أمير المؤمنين: " ألا يجهز على جريح "، " وألا يتبع مول "، " وألا يطعن مدبر "، " ولا يستحلن فرج ولا مال ".
ولما استشار سيدنا عمار بن ياسر رضي الله عنه أمير المؤمنين كرم الله وجهه في الأسرى الذين وقعوا في أيديهم وقال له: أقتل هؤلاء الأسرى يا أمير المؤمنين؟ قال الإمام: لا أقتل أسير أهل القبلة إذا رجع ونزع، فبايع الأسرى وأخلى سبيلهم.
ولما قال له أنصاره: ما لنا في هؤلاء الناس، أجابهم: لكم ما في عسكرهم وعلى نسائهم العدة (أي نساء القتلى)، وما كان لهم من مال في أهليهم فهو ميراث على فرائض الله.
فقال له أنصاره: يا أمير المؤمنين كيف تحل لنا أموالهم ولا تحل لنا نساؤهم ولا أبناؤهم؟
فقال: لا يحل ذلك لكم، فلما أكثروا عليه قال: اقترعوا هاتوا بسهامكم، أيكم يأخذ أمكم عائشة في سهمه. فقالوا: نستغفر الله، فقال: وأنا أستغفر الله.
وقال الحافظ الشيخ جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911 في " فاكهة الصيف وأنيس الضيف " (ص 266 ط مكتبة ابن سينا بالقاهرة):
علي بن أبي طالب هو ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ويكنى أبا الحسن، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم ولم تكن الخلافة لمن كان أبواه هاشميين غير علي وولده الحسن ومحمد الأمين بن زبيدة. بويع له بالخلافة يوم قتل عثمان رضي الله عنه فولى مصر سعد بن قيس وفي السنة السادسة والثلاثين سار الزبير بن العوام وطلحة بن عبد الله إلى مكة ونكثا بيعة علي وأظهرا أنهما يطلبان دم عثمان فكان عائشة بمكة فلما بلغها قتل عثمان ألبت الناس على علي، ودعتهم إلى أخذ ثأر عثمان، ثم سارت عائشة وطلحة والزبير من مكة قاصدين البصرة في جيش كثيف فاستولوا عليها، ونهبوا بيت مالها فسار إليهم علي في جمع عشرين ألفا ومع عائشة وطلحة والزبير ثلاثون ألفا فالتقيا بالبصرة يوم الخميس عاشر جمادى الأول [كذا] فقتل طلحة وهو عائد دون قتال رماه مروان بن الحكم بسهم فقتله وهو ابن أربعة وستين سنة وانهزم الزبير وأصحاب عائشة بعد أن قتل من الفريقين ما ينيف عن ثلاثين ألفا.
وقيل: كانت عدة المقتولين من أصحاب الجمل ثمانية عشر ألفا وقتل من أصحاب علي نحو ألف.
وقيل: قطع على خطام الجمل سبعون يدا كلهم من بني ظبة كلما قطعت يد رجل قدم آخر، ثم لما كثر القتل على خطام الجمل قال علي: اعقروا الجمل بعد أن صار كالقنفذ من السهام، والذي عقره الأشتر بن مالك النخعي وعمار بن ياسر، ثم احتملوا الهودج ونجوا عائشة منه في سبعين امرأة. ويقال: إن عليا أمر بحمل الهودج من بين القتلى ثم جهز عائشة في أربعين امرأة من بني عبد الله بن قيس في ملابس الرجال وسير معها أخاها محمد بن أبي بكر وانتصر علي رضي الله عنه.
وقال الفاضل الدكتور دوايت. رونلدسن في " عقيدة الشيعة " تعريب ع. م (ص 25 ط مؤسسة المفيد):
ووجه ابن عباس إلى عائشة فلما دخل عليها قالت أخطأت يا ابن عباس مرتين دخلت بيتي بغير إذني وجلست على متاعي بغير أمري ولما دخل عليها علي (رض) فقال لها: يا حميراء، ألم تنهي عن المسير؟ فقالت: يا بن أبي طالب، قدرت فاسجح.
فقال: أخرجي إلى المدينة وارجعي إلى بيتك الذي أمرك رسول الله أن تقري فيه.
فقالت: أفعل.
ويقول آخرون: إنها لما رأت قوة حزب علي أرادت البقاء وأن تكون معه على أعدائه فلم يقبل علي وأمرها بالعودة.
وفي تقسيم الأسلاب بعد وقعة الجمل يقال: إن عليا (رض) أعطى الناس بالسوية لم يفضل أحدا على أحد وأعطى الموالي كما أعطى الصلبية، ويقال: إنه أمر بدفن القتل وبقي ثلاثة أيام قبل أن يدخل البصرة فلما دخلها قسم بين الناس، ما وجد في بيت المال من المال. ثم رجع قافلا إلى الكوفة بعد أن قضى أياما في البصرة فقدمها في رجب سنة ست وثلاثين.
(٤٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 478 479 480 485 486 487 490 491 492 493 494 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مستدرك ترجمة الإمام على عليه السلام 3
2 مستدرك ألقابه عليه السلام وكناه الشريفة 32
3 مولد علي عليه السلام 33
4 تزويج أمير المؤمنين بفاطمة الزهراء عليهما السلام 41
5 حديث: علمني ألف باب يفتح من كل باب ألف باب 50
6 حديث: قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطى على تسعة 57
7 كلام ابن عباس في علم علي عليه السلام 57
8 حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها 58
9 حديث: سلوني قبل أن تفقدوني 58
10 قول على عليه السلام: سلوني عن طرق السماوات فإني أعلم بها من طرق الأرض 68
11 جوابه عليه السلام لليهود 69
12 لأمير المؤمنين علم ظاهر كتاب الله وباطنه 70
13 أول من وضع علم النحو علي بن أبى طالب عليه السلام 77
14 علمه عليه السلام بالجفر 87
15 ما ورد أن أمير المؤمنين كان أفرض أهل المدينة وأقضاها 93
16 مستدرك أقضى الأمة علي عليه السلام 101
17 حديثه وحديث ابن عباس في ذلك 101
18 حديث جابر وأنس بن مالك 102
19 حديث عبد الله بن مسعود 103
20 قول عمر علي أقضانا 106
21 قصة زبية الأسد وقضاء علي عليه السلام 120
22 قضاؤه عليه السلام في الأرغفة 125
23 أمر علي عليه السلام الزوجين أن يبعثا حكما من أهلهما 129
24 من أقضيته عليه السلام 131
25 أول من فرق الخصوم علي عليه السلام 173
26 جلد شراحة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة 173
27 قضاؤه في الخنثى المشكل سأله معاوية 174
28 قضاؤه في ثلاثة نفر وقعوا على امرأة ولدت 175
29 عدل علي عليه السلام في الحكومة 189
30 ما ورد في زهد أمير المؤمنين وعدله وإنفاقه في سبيل الله تعالى 212
31 من عدله أمره بكنس بيت المال ثم ينضحه ويصلى فيه ولم يحبس فيه المال عن المسلمين 250
32 زهد علي عليه السلام وعدله 255
33 عفوه عليه السلام وحلمه وصفحه عن عدوه 288
34 من عدله ما أوصاه في قاتله بإطعامه وسقيه والاحسان إليه وعدم التمثيل به 289
35 خوفه عليه السلام من الله تعالى 296
36 إنفاقه في سبيل الله تعالى 297
37 إعطاؤه عليه السلام حلة للسائل الذي كتب حاجته على الأرض بأمره 297
38 صدقات علي عليه السلام 301
39 شجاعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام 305
40 قتل أمير المؤمنين حية وهو في المهد صبي 338
41 مبيته علي فراش رسول الله صلى الله عليه وآله ليلة الهجرة 339
42 ان عليا كان معه راية رسول الله " ص " في بدر وأحد وغيرهما 341
43 ما ورد في شجاعته عليه السلام يوم بدر 344
44 ما ورد في شجاعته عليه السلام يوم أحد 351
45 لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي 357
46 ما ورد في شجاعته عليه السلام يوم الأحزاب 363
47 ما ورد في شجاعته يوم خيبر 374
48 ما ورد في شجاعته يوم حنين والطائف 396
49 شجاعته عليه السلام في بنى قريظة 399
50 شجاعته عليه السلام في حرب جمل 399
51 إخبار النبي " ص " لعلي عما يكون بينه وبين عائشة 403
52 قول النبي لأزواجه: أيتكن صاحبة الجمل تنبحها كلاب الحوأب 405
53 جعل رسول الله " ص " طلاق نسائه بيد علي في حياته وبعد مماته 412
54 إخفاء عائشة اسم أمير المؤمنين علي عليه السلام 414
55 قصة حرب الجمل 417
56 ما صدر من شجاعته عليه السلام يوم صفين 513
57 قتل مع علي بصفين من البدريين خمسة وعشرون بدريا 520
58 شجاعته عليه السلام يوم النهروان 523
59 الخوارج والأخبار الواردة فيهم عن النبي والوصي عليهما السلام 523
60 ذم الخوارج وسوء مذهبهم وإباحة قتالهم 536
61 إخباره عليه السلام عن الخوارج وعن ذي ثديتهم 537
62 اخبار النبي " ص " عن الخوارج المارقة 582
63 اخبار النبي " ص " عن شهادة علي عليه السلام 595
64 حديث أنس بن مالك 595
65 حديث أبى رافع 596
66 حديث جابر بن سمرة 597
67 اخباره عليه السلام عن شهادة نفسه 603
68 حديث محمد بن الحنفية 603
69 حديث فضالة بن أبى فضالة 604
70 حديث الأصبغ بن نباتة الحنظلي 606
71 حديث زيد بن وهب 609
72 حديث أبى مجلز وأبى الأسود 610
73 حديث أبى الطفيل 611
74 حديث نبل بنت بدر 613
75 حديث سالم بن أبى الجعد 614
76 حديث عبيدة وأم جعفر 615
77 حديث عثمان بن مغيرة 616
78 حديث كثير وروح بن أمية 617
79 حديث يزيد بن أمية الديلي 618
80 حديث عبد الله بن سبع 619
81 حديث ثعلبة بن يزيد الحماني 620
82 حديث والد خالد أبي حفص 620
83 ما روى جماعة مرسلا 621
84 استشهاد أمير المؤمنين بيد أشقى الناس ابن ملجم 624
85 قول علي عليه السلام: فزت ورب الكعبة 643
86 إن قاتل علي عليه السلام أشقى الأولين والآخرين وأشقى الناس 644
87 وصايا أمير المؤمنين حين رحلته إلى دار البقاء 653
88 تاريخ شهادته عليه السلام وسني عمره حين الشهادة 662
89 محل دفن جثمانه الشريف 667
90 حنوط علي من فضل حنوط رسول الله " ص " 673
91 قتل ابن ملجم اللعين 673
92 أزواجه عليه السلام 674
93 أولاده الأشراف السادة 678
94 بعض مراثيه عليه السلام 686