كما ذكر.
افترق أهل البصرة ثلاث فرق: فرقة مع طلحة والزبير، وفرقة مع علي، وفرقة لا ترى القتال، منهم الأحنف وعمران بن حصين وغيرهما، وكان أصحاب علي عشرين ألفا.
وأقبل كعب بن سور حتى أتى عائشة فقال: أدركي، فقد أبى القوم إلا القتال، لعل الله أن يصلح بك. فركبت وألبسوا هودجها الأدراع، فلما برزت وهي على الجمل بحيث تسمع الغوغاء وقفت واقتتل الناس وقاتل الزبير فحمل عليه عمار بن ياسر فجعل يحوزه بالرمح. والزبير كاف عنه ويقول: أتقتلني يا أبا اليقظان؟ فيقول:
لا يا عبد الله، وإنما كف الزبير عنه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: تقتل عمارا الفئة الباغية. ولولا ذلك لقتله.
وبينما عائشة واقفة إذ سمعت ضجة شديدة، فقالت: ما هذا؟ قالوا: ضجة العسكر. قالت: بخير أو شر؟ قالوا: بشر. فما فاجأها إلا الهزيمة، فمضى الزبير من وجهه إلى وادي السباع. وإنما فارق المعركة لأنه قاتل تعذيرا لما ذكر له علي. وأما طلحة فأتاه سهم غرب فأصابه فشك رجله بصفحة الفرس وهو ينادي: إلى عباد الله الصبر الصبر. فقال له القعقاع بن عمرو: يا أبا محمد، إنك لجريح وإنك عما تريد لعليل، فادخل البيوت، فدخل ودمه يسيل وهو يقول: اللهم خذ لعثمان مني حتى يرضى. فلما امتلأ خفه دما وثقل، قال لغلامه: اردفني وأمسكني وأبلغني مكانا أنزل فيه. فدخل البصرة فأنزل في دار خربة فمات فيها.
وقيل: إنه اجتاز به رجل من أصحاب علي فقال له أنت من أصحاب أمير المؤمنين؟ قال: نعم. قال: أمدد يدك أبايعك له. فبايعه فخاف أن يموت وليس في عنقه بيعة. ولما قضى دفن في بني سعد وقال لهم لم أر شيخا أضيع دما مني. وتمثل عند دخول البصرة مثله ومثل الزبير:
فإن تكن الحوادث أقصدتني * وأخطأهن سهمي حين أرمي