ما سرت مسيري هذا، والله لا أقاتلك أبدا، فانصرف علي إلى أصحابه فقال: أما الزبير فقد أعطى الله عهدا ألا يقاتلكم. ورجع الزبير إلى عائشة فقال لها: ما كنت في موطن منذ عقلت إلا وأنا أعرف فيه أمري غير موطني هذا. قالت: ما تريد أن تصنع؟
قال: أريد أن أدعهم وأذهب.
وقيل: قال علي: يا زبير ارجع، فقال: وكيف أرجع الآن وقد التقت حلقتا البطان؟ هذا والله العار الذي لا يغسل. فقال: يا زبير ارجع بالعار قبل أن تجمع العار والنار، فرجع الزبير يقول:
اخترت عارا على نار مؤججة * ما إن يقول لها خلق من الطين نادى علي بأمر لست أجهله * عار لعمرك في الدنيا وفي الدين فقلت حسبك من عدل أبا حسن * فبعض هذا الذي قد قلت يكفيني فقال ابنه عبد الله: جمعت بين هذين العارين حتى إذا حدد بعضهم لبعض أردت أن تتركهم وتذهب؟ أحسست رايات ابن أبي طالب وعلمت أنها تحملها فتية أنجاد (يريد أنه خافهم) قال: إني قد حلفت ألا أقاتله وأحفظه ما قال له. فقال كفر عن يمينك وقاتله.
فدعا بغلام له يقال له (مكحول) فأعتقه. فقال عبد الرحمن بن سليمان التيمي:
لم أر كاليوم أخا إخوان * أعجب من مكفر الأيمان بالعتق في معصية الرحمن وقال رجل من شعرائهم:
يعتق مكحولا يصون دينه * كفارة لله عن يمينه والنكث قد لاح على جبينه وقيل إنما عاد الزبير عن القتال لما سمع أن عمار بن ياسر مع علي فخاف أن يقتل عمارا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عمار تقتلك الفئة الباغية فرده ابنه عبد الله