أتيتموني فقلتم: بايعنا، فقلت: لا أفعل، فقلتم: بلى، فقلت: لا، وقبضت يدي فبسطتموها، ونازعتكم فجذبتموها، حتى تداككتم علي تداك الإبل الهيم على حياضها يوم ورودها، حتى ظننت أنكم قاتلي، وأن بعضكم قاتل بعضا، فبسطت يدي فبايعتموني مختارين، وبايعني في أولكم طلحة والزبير طائعين ثم مكرهين، ثم لم يلبثا أن استأذناني في العمرة، والله يعلم أنهما أرادا الغدرة، فجددت عليهما العهد في الطاعة، وأن لا يبغيا الأمة الغوائل فعاهداني، ثم لم يفيا لي ونكثا بيعتي، ونقضا عهدي، فعجبا لهما من انقيادهما لأبي بكر وعمر وخلافهما علي، ولست بدون أحد الرجلين، ولو شئت أن أقول لقلت: اللهم احكم عليهما بما صنعا في حقي، وصغرا من أمري وظفرني بهما.
وقال في خطبة ثانية حين بلغه مسيرة عائشة: أما بعد، فإن عائشة سارت إلى البصرة ومعها طلحة والزبير، وكل منهما يرى الأمر له دون صاحبه، أما طلحة فابن عمها، وأما الزبير فختنها، والله لو ظفروا بما أردوا، ولن ينالوا ذلك أبدا، ليضربن أحدهما عنق الآخر بعد تنازع منهما شديد، والله إن راكبة الجمل الأحمر، ما تقطع عقبة ولا تحل عقدة إلا في معصية الله وسخطه، حتى تورد نفسها ومن معها موارد الهلكة، أي والله ليقتلن ثلثهم وليهربن ثلثهم وليتوبن ثلثهم، وإنها التي تنبحها كلاب الحوأب، وإنهما ليعلمان أنهما مخطئان، ورب عالم قتله جهله معه علمه لا ينفعه، حسبنا الله ونعم الوكيل، فقد قامت الفتنة فيها الفئة الباغية، أين المحتسبون، أين المؤمنون، مالي ولقريش، والله لقد قتلتهم كافرين، ولأقتلنهم مفتونين، ومالنا إلى عائشة من ذنب، إلا أنا أدخلناها في صيرنا، والله لأبقرن الباطل، حتى يظهر الحق من خاصرته. ثم إنه دعا وجوه أهل المدينة، فقال لهم: إن آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله، فانصروا الله ينصركم، ويصلح لكم أمركم.
ثم إن الإمام استخلف على المدينة سهل بن حنيف، وقيل: بل تمام بن العباس، وعلى مكة قثم بن العباس، وخرج في تعبيته التي عبأها لأهل الشام في آخر ربيع