ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد أسعد أطلس في " تاريخ العرب " (ج 3 ص 226 ط دار الأندلس - بيروت) قال:
كانت السيدة عائشة بنت الصديق يوم مقتل عثمان بمكة، فضاقت ذرعا بهذا القتل الظالم، وقامت تطالب بالانتقام من القتلة وتصيح بالناس: إن الغوغاء من أهل الأمصار وعبيد أهل المدينة، قد سفكوا الدم الحرام في الشهر الحرام، واستحلوا البلد الحرام، وأخذوا المال الحرام في الشهر الحرام، والله لإصبع عثمان بن عفان خير من طباق الأرض أمثالهم، والله لو أن الذي اعتدوا به عليه كان ذنبا لخلص منه كما يخلص الذهب من خبثه، أو الثوب من درنه إذ ماصوه كما يماص الثوب بالماء أي غسلوه.
فلما سمع الناس ذلك، تهيجوا وقال أحدهم - وهو عبد الله بن عامر الحضرمي وكان عامل عثمان على مكة -: هأنذا أول طالب بدم عثمان، وتبعه بنو أمية، وقدم عليهم عبد الله بن عامر بن كريز من البصرة بمال كثير، كما قدم يعلى بن أمية من اليمن بستمائة بعير وستمائة ألف درهم. ولما رأى طلحة والزبير ذلك، قالا لعلي:
إننا نريد الخروج إلى مكة للعمرة، فقال لهما: والله إنكما لا تريدان العمرة، وإنما تريدان الغدرة ونكث البيعة، فحلفا له بالله أنهما لا يريدان الغدر، وجددا له بيعتهما بأشد ما يكون من المواثيق والأيمان، فأذن لهما، ولما خرج قال لصحبه: والله لا ترونهم إلا في فتنة يقتلان فيها، فقال الصحب: مر بردهما عليك، فقال: ليذهبا وليقضي الله أمرا كان مفعولا.
ولما وصلا مكة قالا لعائشة: إننا قد تركنا في المدينة قوما حيارى لا يعرفون حقا، ولا ينكرون باطلا، ولا يمنعون أنفسهم، ثم استقر رأيهم على الخروج إلى البصرة، فأتت عائشة أم سلمة إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم تطلب إليها أن تخرج معها وتقول: يا أم سلمة كنت كبيرة أمهات المؤمنين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقمؤ - يعيش في بيتك، وكان يقسم لنا في بيتك، وكان ينزل