كان ابن صفية جبانا ولا لئيما، ولكن الحين ومصارع السوء ثم اشتد وطيس القتال بين الجانبين فنزل علي إلى الساحة وهو يتلوا قوله تعالى:
(أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب) اللهم أفرغ علينا الصبر. ثم رفع مصحفا بيده وقال: من يأخذ هذا المصحف فيدعوهم إلى ما فيه ولهم الجنة؟ فقام غلام اسمه مسلم بن عبد الله فقال:
أنا يا خليفة رسول الله. ثم تناول المصحف وزحف على القوم فقتلوه. فقال علي:
الآن حل قتالهم واقتتل الناس، وركبت عائشة الجمل، وألبسوا هودجها البسط وجلود النمر، وفوق ذلك دروع الحديد وخطبت الناس عائشة فقالت: أما بعد فإنا كنا نقمنا على عثمان ضرب السوط وإمرة الفتيان، ألا وإنكم استعتبتموه فأعتبكم، ثم عدوتم عليه فارتكبتم منه دما حراما، وأيم الله إنه كان أحصنكم فرجا وأتقاكم لله.
ثم اقتتلوا حتى قتل طلحة وهو يقول: اللهم خذ لعثمان حتى ترضى، وحرضت عائشة الناس كما حرض علي جماعته، واحتدم القتال وتلاحم الناس وأخذت عائشة لفا من حصى، ورمت به وجوه أصحاب الإمام وصاحت بقولها: شاهت الوجوه كما صنع رسول الله يوم حنين، فقال لها قائل: وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى.
ثم تقدم أصحاب علي إلى جمل عائشة وأصحابها يحيطون بها ويتساقطون صرعى دون الوصول إليها حتى قتل على الخطام أربعون رجلا. وأحدق أهل النجدات والشجاعة بعائشة، وحمل أصحاب علي حتى أداروا الجمل كما تدور الرحى، وصاح الإمام ارشقوا الجمل بالنبل، فرشق حتى لم يبق فيه موضع إلا أصابه النبل. ثم تقدم محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر فقطعا أنساع الهودج واحتملاه، فلما وضعاه أدخل محمد يده فقالت: من هذا؟ قال: أخوك محمد، فقالت: بل