فوقفت عائشة وكانت جهورية الصوت، فقالت: كان الناس يتجنون على عثمان، ويزرون على عماله، ويأتوننا في المدينة فيستشيروننا فيما يخبروننا عنه، فننظر في ذلك فنجده برا تقيا وفيا، ونجدهم فجرة غدرة كذبة، فلما قووا كاثروه واقتحموا عليه داره، واستحلوا الدم الحرام، والشهر الحرام، والبلد الحرام، بلا ترة ولا عذر.
ثم قرأت قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب) إلى آخر الآية، وسكتت. فافترق أصحاب ابن حنيف فرقتين. قالت إحداهما: صدقت وبرت، وإن من جاؤوا معها يطالبون بحق، وقالت الأخرى: إن من جاؤوا معها كاذبون ضالون.
ثم تحاصب الطرفان ووقع الهرج والمرج، فجاء جارية بن قدامة السعدي فقال لها:
يا أميرة المؤمنين لقتل عثمان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الأنكد عرضة للسلاح، إنه قد كان لك من الله ستر وحرمة، فهتكت سترك وأبحت حرمتك، إنه من رأى قتالك يرى قتلك، إن كنت أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك، وإن كنت أتيتنا مكرهة فاستعيني بالناس. فلم تعر قوله هذا التفاتا، ثم نشب القتال بين الجانبين حتى أدركهم الليل.
وفي الصباح نشب القتال من جديد، وكثر القتل في أصحاب حنيف وكثر الجرح في الفريقين، وعضتهم الحرب، وكتب طلحة والزبير إلى أهل الشام كتابا يخبرانهم فيه بذلك ويحثانهم على النهوض، ومما جاء فيه قولهما: إنا خرجنا لوضع الحرب وإقامة كتاب الله، فبايعنا خيار أهل البصرة وخالفنا أشرارهم قائلين: نأخذ أم المؤمنين رهينة أن أمرتهم بالحرب وحثتهم عليه، وإننا با أهل الشام نناشدكم الله في أنفسكم إلا نهضتم بمثل ما نهضنا به.
وكتبوا مثل ذلك إلى أهل الكوفة واليمامة والمدينة. وكتبت السيدة عائشة إلى أهل الكوفة تخبرهم بحقيقة الأمر وتأمرهم أن يثبطوا الناس عن الإمام علي، وتحثهم على طلب قتلة عثمان، ومما جاء في كتابها قولها: قدمنا البصرة، فدعونا إلى إقامة كتاب الله، فأجابنا الصالحون، واستقبلنا من لا خير فيه بالسلاح، وعزم