شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٣٢ - الصفحة ٤٢٣

ثم مر بنا فارس على فرس أشقر ما رأينا أحسن منه وجها عليه ثياب بيض وعمامة سوداء قد أسبلها بين يديه ومن خلفه بيده لواء، قلنا: من هذا؟ قيل: عبد الله بن عباس ثم مر بنا فارس أشبه الناس به عليه مثل لباسه فقلنا: من هذا؟ قيل: قثم بن العباس ثم أقبلت الرايات وأقبل فارس يشبههما فقلنا: من هذا؟ فقيل: معبد بن العباس.
ثم أقبلت كتيبة عليهم الدروع متعممين بعمائم بيض شاكين في السلاح يقدمهم رجل كأنه كبيرهم خير نظره في الأرض أكثر من نظره إلى السماء كأنما على رؤوسهم الطير وعن يمينه شاب حسن الوجه وعن شماله شاب حسن الوجه وبين يديه شاب بيده راية عظمى وخلفه شاب في عدة شباب معهم قلنا: من هؤلاء؟ فقالوا: أما هذا فعلي بن أبي طالب وهذا الحسن والحسين عن يمينه ويساره وهذا محمد بن الحنفية بين يديه ومعه الراية وهذا خلفه عبد الله بن جعفر وهؤلاء ولد عقيل معه وهؤلاء المشايخ فهم أهل بدر فجاء حتى ترك الراية فصلى أربع ركعات ثم رفع يديه ثم قال: اللهم رب السماوات وما أظلت ورب الأرضين وما أقلت ورب البحار وما جرت ورب الرياح وما درت ورب الشياطين وما أضلت هذه البصرة أسألك من خيرك الذي فيها وأعوذ بك من الشر الذي فيها، اللهم إن هؤلاء القوم قد بغوا علينا وخلعوا طاعتي ونكثوا بيعتي فاقبل بقلوبهم واحقن دماء المسلمين فإن أبوا فانصرني عليهم.
ثم دعا عمران بن حصين وأبا الأسود الدؤلي فوجههما لطلحة والزبير فلم يرجعا إليه بجواب يحمده فأمر أصحابه أن لا يبدوهم ولا يرموهم بسهم ولا يطعنوهم برمح ولا يضربوا بسيف وقال: ليس بعد الدماء تقية فاصطفوا للقتال، فرموهم أولئك بالنشاب فقال علي: اعذروا إليهم فخرج علي بنفسه على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم حاسرا ليس عليه سلاح فنادى: يا زبير، أخرج إلي، فخرج إليه الزبير وهو شاك في سلاحه فقيل لعائشة: إن الزبير قد خرج إليه، فقالت: واثكل أسماء! فاعتنق كل واحد منهما صاحبه وقال علي: ويحك يا زبير! ما أخرجك؟ قال: دم عثمان، قال: قتل الله أولى بدم عثمان، أتذكر يوم لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راكب حماره فضحك إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت أنت: ما يدع علي زهوه برسول الله، فقال: ليس به زهو أتحبه يا زبير؟ فقلت: الله وليي أحبه، فقال: أما إنك ستقاتله وأنت له ظالم، فقال الزبير: أستغفر الله لو ذكرتها ما خرجت فكيف أرجع الآن وقد التفت خلفنا البطال هذا والله العار الذي لا يغسل، فقال علي: يا زبير، ارجع فالعار خير من الناس قبل أن تجمع العار والنار، فرجع الزبير وهو يقول:
اخترت عارا على نار من مؤججة * إني بقوم لها خلق من الطين نادى علي بأمر لست أجهله * عار لعمرك في الدنيا وفي الدين فقلت حسبك من عدل أبا حسن * فبعض هذا الذي قد قلت يكفيني فقال له ابنه: أين تذهب وتدعنا؟ فقال: يا بني إن عليا ذكرني أمرا كنت له ناسيا قال: لا والله ولكنك فررت من سيوف بني عبد المطلب إنها طوال حداد يحملها فتية أنجاد، قال: لا والله يا بني ذكرني ما أنسانيه الدهر فاخترت العار على النار أنا حين تعيرني لا أنا لك ثم قلع سنانه وشد في ميمنة علي فقال: أفرجوا له فقد هاجر، ثم شد في الميسرة ثم رجع وشد في القلب ثم رجع إلى ابنه فقال: أيفعل هذا جبان؟!
ثم مضى وكان من أمره ما كان، ثم دعاهم علي رضي الله عنه إلى ما فيه الصلاح من الكف عن الدماء والرجوع إلى الطاعة فأبوا إلا القتال، فقال علي: من يأخذ هذا المصحف فيدعوهم إلى ما فيه؟ فقال غلام من عبد القيس يقال له مسلم: أنا آخذه، فأخذه وتقدم فرموه حتى قتلوه، فجاءت أمه إلى علي فوقفت عليه ثم قال:
لا هم إن مسلما دعاهم * يتلو كتاب الله لا يخشاهم فخضبوا من دمه لحاهم * وأمهم قائمة تراهم فقال علي: احملوا على القوم، فحملوا فانهزمت ميمنة علي وميسرته.
قال بعض ولد عقيل: فأتيته وهو يخفق برأسه من النعاس فقلت: يا عم قد بلغت ومسيرتك ما ترى وأنت تخفق نعاسا؟ فقال: اسكت يا بن أخي فإن لعمك يوما لا يعدوه والله ما يبالي عمك إن وقع على الموت أو وقع الموت عليه، ثم بعث إلى محمد ابن الحنفية أن أقحم فداك أبي وأمي. قال: فأبطأ عليه وكان بإزائه قوم من الرماة فكان ينتظر أن يفنى سهامهم ثم يحمل فجأة، فقال علي: احمل فداك أبي وأمي. قال: والله ما أجد متقدما إلا على سنان. فقال له عليه السلام: اقحم فلن ينالك إلا سنة لأن للموت عليك جنة، فحمل محمد فسلك بالرماح فوقف عليه علي فضربه بقائم سيفه وقال:
أدركك عرق من أمك.
ثم أخذ الراية من يده فحمل الناس معه فما كان أهل البصرة إلا كرماد اشتدت به الريح فاستطار في يوم عاصف فبلغت ميمنتهم إلى مدينة الردف وبلغت الميسرة إلى مقبرة بني حصن وبلغ القلب إلى بني عدي، ولقى علي طلحة فقال: يا أبا محمد ما أخرجك علي؟ قال: طلب دم عثمان: قال: قتل الله أولانا بدم عثمان أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، أوما أنت أول من بايعني ثم نكثت؟ قال: ومن نكث فإنما ينكث على نفسه، ثم دخل البصرة فخطب خطبته المشهورة الطويلة التي احتوت من الفصاحة والبلاغة وأنواع البديع والمواعظ وذكر عجائب السماوات والأرض والوعد والوعيد وأتى فيها بما حارت فيه العقول.
ثم بعث إلى عائشة بعد أيام يأمرها بالخروج ووجه إليها ابن عباس بمال كثير ثم ذهب إليها بنفسه وشيعها أميالا ووجه معها أربعين امرأة وقيل سبعين من عبد القيس وقال: كن في هيئة الرجال وهي لا تعلم، فسارت إلى أن وصلت المدينة فقيل لها: كيف رأيت مسيرك؟ قالت: كنت بخير ولقد أعطاني فأكثر لكنه بعث مع حرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا، فكشفت النساء عن وجوههن وقلن أنحن رجال، فخرت على وجهها وهي تقول: علي أعرف بالله من ذلك أبى ابن أبي طالب إلا كرما وعلما وحلما والله لوددت أني لم أقاتله ولم أخرج مخرجي هذا الذي خرجته ولو أن لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة من الولد الذكور مثل أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وإنما خدعت وغررت وقيل لي: تخرجين فتصلحين بين الناس فكان ما كان والله المستعان.
وقال في ق 77:
ثم إنه عليه السلام عند فراغه من الجمل كتب إلى معاوية يأمره بالمبايعة له والدخول فيما دخل فيه الناس وأن لا يشق عصا المسلمين ويسفك دماءهم وقد أتينا ذلك في موضعه فلا فائدة في إعادته، والله أعلم.
(٤٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 419 420 421 422 423 423 429 430 431 432 433 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مستدرك ترجمة الإمام على عليه السلام 3
2 مستدرك ألقابه عليه السلام وكناه الشريفة 32
3 مولد علي عليه السلام 33
4 تزويج أمير المؤمنين بفاطمة الزهراء عليهما السلام 41
5 حديث: علمني ألف باب يفتح من كل باب ألف باب 50
6 حديث: قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطى على تسعة 57
7 كلام ابن عباس في علم علي عليه السلام 57
8 حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها 58
9 حديث: سلوني قبل أن تفقدوني 58
10 قول على عليه السلام: سلوني عن طرق السماوات فإني أعلم بها من طرق الأرض 68
11 جوابه عليه السلام لليهود 69
12 لأمير المؤمنين علم ظاهر كتاب الله وباطنه 70
13 أول من وضع علم النحو علي بن أبى طالب عليه السلام 77
14 علمه عليه السلام بالجفر 87
15 ما ورد أن أمير المؤمنين كان أفرض أهل المدينة وأقضاها 93
16 مستدرك أقضى الأمة علي عليه السلام 101
17 حديثه وحديث ابن عباس في ذلك 101
18 حديث جابر وأنس بن مالك 102
19 حديث عبد الله بن مسعود 103
20 قول عمر علي أقضانا 106
21 قصة زبية الأسد وقضاء علي عليه السلام 120
22 قضاؤه عليه السلام في الأرغفة 125
23 أمر علي عليه السلام الزوجين أن يبعثا حكما من أهلهما 129
24 من أقضيته عليه السلام 131
25 أول من فرق الخصوم علي عليه السلام 173
26 جلد شراحة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة 173
27 قضاؤه في الخنثى المشكل سأله معاوية 174
28 قضاؤه في ثلاثة نفر وقعوا على امرأة ولدت 175
29 عدل علي عليه السلام في الحكومة 189
30 ما ورد في زهد أمير المؤمنين وعدله وإنفاقه في سبيل الله تعالى 212
31 من عدله أمره بكنس بيت المال ثم ينضحه ويصلى فيه ولم يحبس فيه المال عن المسلمين 250
32 زهد علي عليه السلام وعدله 255
33 عفوه عليه السلام وحلمه وصفحه عن عدوه 288
34 من عدله ما أوصاه في قاتله بإطعامه وسقيه والاحسان إليه وعدم التمثيل به 289
35 خوفه عليه السلام من الله تعالى 296
36 إنفاقه في سبيل الله تعالى 297
37 إعطاؤه عليه السلام حلة للسائل الذي كتب حاجته على الأرض بأمره 297
38 صدقات علي عليه السلام 301
39 شجاعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام 305
40 قتل أمير المؤمنين حية وهو في المهد صبي 338
41 مبيته علي فراش رسول الله صلى الله عليه وآله ليلة الهجرة 339
42 ان عليا كان معه راية رسول الله " ص " في بدر وأحد وغيرهما 341
43 ما ورد في شجاعته عليه السلام يوم بدر 344
44 ما ورد في شجاعته عليه السلام يوم أحد 351
45 لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي 357
46 ما ورد في شجاعته عليه السلام يوم الأحزاب 363
47 ما ورد في شجاعته يوم خيبر 374
48 ما ورد في شجاعته يوم حنين والطائف 396
49 شجاعته عليه السلام في بنى قريظة 399
50 شجاعته عليه السلام في حرب جمل 399
51 إخبار النبي " ص " لعلي عما يكون بينه وبين عائشة 403
52 قول النبي لأزواجه: أيتكن صاحبة الجمل تنبحها كلاب الحوأب 405
53 جعل رسول الله " ص " طلاق نسائه بيد علي في حياته وبعد مماته 412
54 إخفاء عائشة اسم أمير المؤمنين علي عليه السلام 414
55 قصة حرب الجمل 417
56 ما صدر من شجاعته عليه السلام يوم صفين 513
57 قتل مع علي بصفين من البدريين خمسة وعشرون بدريا 520
58 شجاعته عليه السلام يوم النهروان 523
59 الخوارج والأخبار الواردة فيهم عن النبي والوصي عليهما السلام 523
60 ذم الخوارج وسوء مذهبهم وإباحة قتالهم 536
61 إخباره عليه السلام عن الخوارج وعن ذي ثديتهم 537
62 اخبار النبي " ص " عن الخوارج المارقة 582
63 اخبار النبي " ص " عن شهادة علي عليه السلام 595
64 حديث أنس بن مالك 595
65 حديث أبى رافع 596
66 حديث جابر بن سمرة 597
67 اخباره عليه السلام عن شهادة نفسه 603
68 حديث محمد بن الحنفية 603
69 حديث فضالة بن أبى فضالة 604
70 حديث الأصبغ بن نباتة الحنظلي 606
71 حديث زيد بن وهب 609
72 حديث أبى مجلز وأبى الأسود 610
73 حديث أبى الطفيل 611
74 حديث نبل بنت بدر 613
75 حديث سالم بن أبى الجعد 614
76 حديث عبيدة وأم جعفر 615
77 حديث عثمان بن مغيرة 616
78 حديث كثير وروح بن أمية 617
79 حديث يزيد بن أمية الديلي 618
80 حديث عبد الله بن سبع 619
81 حديث ثعلبة بن يزيد الحماني 620
82 حديث والد خالد أبي حفص 620
83 ما روى جماعة مرسلا 621
84 استشهاد أمير المؤمنين بيد أشقى الناس ابن ملجم 624
85 قول علي عليه السلام: فزت ورب الكعبة 643
86 إن قاتل علي عليه السلام أشقى الأولين والآخرين وأشقى الناس 644
87 وصايا أمير المؤمنين حين رحلته إلى دار البقاء 653
88 تاريخ شهادته عليه السلام وسني عمره حين الشهادة 662
89 محل دفن جثمانه الشريف 667
90 حنوط علي من فضل حنوط رسول الله " ص " 673
91 قتل ابن ملجم اللعين 673
92 أزواجه عليه السلام 674
93 أولاده الأشراف السادة 678
94 بعض مراثيه عليه السلام 686