شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٣٢ - الصفحة ٣٠٦
وجوههم ويسأل عن النصير ولا نصير، لو كان بعلي أن يرتاع في مقام نجدة أو مقام عزيمة لارتاع يومئذ بين أولئك الشيوخ الدين رفعتهم الوجاهة ورفعتهم آداب القبيلة البدوية إلى مقام الخشية والخشوع.
ولكنه كان عليا في تلك السن الباكرة كما كان عليا وهو في الخمسين أو الستين، فما تردد وهم صامتون مستهزئون أن يصيح صيحة الواثق المغضوب: أنا نصيرك، فضحكوا منه ضحك الجهل والاستكبار، وعلم القدر وحده في تلك اللحظة أن تأييد ذلك الغلام أعظم وأقوم من حرب أولئك القروم.
علي هذا هو الذي نام في فراش النبي ليلة الهجرة، وقد علم ما تأتمر به مكة كلها من قتل الراقد على ذلك الفراش.
وعلي هذا هو الذي تصدى لعمرو بن ود مرة بعد مرة والنبي يجلسه - إلخ.
وقال الفاضل المعاصر محمد رضا في " الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رابع الخلفاء الراشدين " (ص 22 ط دار الكتب العلمية - بيروت):
شهد علي رضي الله عنه الغزوات مع رسول لله صلى الله عليه وسلم، فكان له فيها شأن عظيم، وأظهر شجاعة عجيبة، وأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء في مواطن كثيرة. فلما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم كرز بن جابر الفهري - عزوة بدر الأولى - أعطاه لواءه الأبيض.
وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة العشيرة بأبي تراب. عن عمار بن ياسر قال: كنت أنا وعلي رفيقين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة العشيرة، فنزلنا منزلا فرأينا رجالا من بني مدلج يعملون في نخل، فقلت: لو انطلقنا فنظرنا إليهم كيف يعملون؟ فانطلقنا، فنظرنا إليهم ساعة، ثم غشينا النعاس فعمدنا إلى صور من النخل فنمنا تحته في دقعاء من التراب، فما أيقظنا إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتانا وقد تتربنا في ذلك التراب، فحرك عليا برجله، فقال: قم يا أبا تراب، ألا أخبرك بأشقى الناس! أحمر ثمود عاقر الناقة، والذي يضربك على هذا، يعني قرنه فيخضب هذه منها وأخذ بلحيته.
وفي غزوة بدر الكبرى كان أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم رايتان سوداوان، إحداهما مع علي يقال لها العقاب والأخرى مع بعض الأنصار. وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبارز في هذه الغزوة الوليد بن عتبة، فبارزه وقتله وكان من أشد أعداء رسول الله.
وقال علي رضي الله عنه يذكر شجاعة رسول الله: لما أن كان يوم بدر وحضر الناس التقينا برسول الله، فكان من أشد الناس بأسا، وما كان منا أحد أقرب إلى العدو منه.
وفي غزوة أحد قال طلحة بن عثمان فقال: يا معشر أصحاب محمد! إنكم تزعمون أن الله يعجلنا بسيوفكم إلى النار ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة، فهل منكم أحد يعجله الله بسيفه إلى الجنة أو يعجلني بسيفه إلى النار، فقام إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: والذي نفسي بيده، لا أفارقك حتى أعجلك بسيفي إلى النار، أو تعجلني بسيفك إلى الجنة، فضربه علي فقطع رجله فسقط فانكشفت عورته. فقال: أنشدك الله والرحم يا أين عم، فتركه فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لعلي أصحابه: ما منعك أن تجهز عليه؟ قال: إن ابن عمي ناشدني حين انكشفت عورته فاستحييت منه.
وقتل علي ثلاثة من أصحاب الألوية في هذه الغزوة، وأبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من مشركي قريش فقال لعلي: احمل عليهم، فحمل عليهم ففرق جمعهم، وقتلعمرو بن عبد الله الجمحي، ثم أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من مشركي قريش، فقال لعلي احمل عليهم، فحمل عليهم ففرق جماعتهم وقتل شيبة بن مالك أحد بني عامر بن لؤي فقال جبريل: يا رسول الله إن هذه للمواساة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه مني وأنا منه. فقال جبريل: وأنا منكما.
فسمعوا صوتا:
لا سيف إلا ذو الفقار * ولا فتى إلا علي ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله بعد غزوة أحد ناول سيفه ابنته فاطمة فقال: اغسلي عن هذا دمه يا بنية، وناولها علي رضي الله عنه سيفه وقال: وهذا فاغسلي عنه، فوالله لقد صدقني اليوم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لئن كنت صدقت القتال، لقد صدق معك سهل بن حنيف وأبو دجانة سماك بن خرشة.
قال الطبري: وزعموا أن علي بن أبي طالب حين أعطى فاطمة عليهما السلام سيفه قال:
أفاطم هاك السيف غير ذميم * فلست برعديد ولا بمليم لعمري لقد قاتلت في حب أحمد * وطاعة رب بالعباد رحيم وسيف بكفي كالشهاب أهزه * أجذ به من عاتق وصميم فما زلت حتى فض ربي جموعهم * وحتى شفينا نفس كل حليم من هذا يتضح أن عليا قد دافع هو وزملاؤه دفاعا شديدا في هذه الغزوة وقتل رؤساء كبيرة عرفت بعدائها للإسلام، وقد كان وقتئذ في عنفوان شبابه ممتلئا قوة ونشاطا وإيمانا.
وفي غزوة الخندق لما تهيأ فرسان قريش للقتال وخرجوا على خيلهم وأقبلوا نحو الخندق ورأوا ما لم يكونوا قد رأوه من قبل، قالوا: إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها، ثم تيمموا مكانا من الخندق ضيقا فضربوا خيولهم فاقتحمت منه، فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع.
عند دلك خرج علي رضي الله عنه في نفر من المسلمين حتى أخذ عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم وأقبلت الفرسان تعنق نحوهم.
وقد كان عمرو بن عبد ود قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد أحدا. فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مكانه، وكان من شجعان العرب المشهورين، وكان وقتئذ كبير السن. فلما وقف هو وخيله، قال له علي: يا عمرو! إنك كنت تعاهد الله أن لا يدعوك رجل من قريش إلى خلتين إلا أخذت منه إحداهما. قال: أجل. قال له علي ابن أبي طالب: فإني أدعوك إلى الله عز وجل وإلى رسوله وإلى الإسلام، قال: لا حاجة لي بدلك. قال: فإني أدعوك إلى النزال. قال: ولم يا ابن أخي؟ فوالله ما أحب أن أقتلك. قال علي: ولكني والله أحب أن أقتلك، فحمى عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه فقره أو ضرب وجهه.
ثم أقبل على علي فتنازلا وتجاولا، فقتله علي رضي الله عنه وخرجت خيله منهزمة، حتى اقتحمت من الخندق هاربة.
وفي غزوة بني المصطلق قتل علي منهم رجلين: مالكا، وابنه. وكان رضي الله عنه هو الذي دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد إليه كتابة صلح الحديبية وأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فدك حي من بني سعد بن بكر.
وفي غزوة خيبر أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء عمر بن الخطاب