قبلك من إبعادهم، وقد كنا في وجلة من عملك مع الرضا ما عملت حتى كفانا الله المهم من ذلك، فالله الله أن تردها إلى غم قد انحسم، فاصرف رأيك عن ابن الرضا واعدل إلى من تراه من أهل بيتك ممن يصلح لذلك.
فقال لهم المأمون: أما ما بين آل أبي طالب وبينكم فأنتم السبب فيه ولو أنصفتم القوم لكانوا أولى منكم بالأمر، وأما ما كان من الاستخلاف في الرضا فقد درج الرضا وكان أمر الله قدرا مقدورا، وأما ابنه محمد فأي شئ تنقمون منه.
فقالوا: إن هذا صبي صغير السن وأي علم له اليوم أو معرفة أو آداب دعه حتى يكبر ثم اصنع به ما شئت. قال: كأنكم تشكون في قولي إن شئتم فاختبروه أو ادعوا من يختبره ثم بعد ذلك لوموا فيه أو اعذروا. قالوا: وتتركنا وذلك؟
قال: نعم. قالوا: فيكون ذلك بين يديك تترك من يسأله عن شئ من أمور الشريعة فإن أصاب لم يكن في أمره لنا اعتراض وظهر للخاصة والعامة سديد رأي أمير المؤمنين، وإن عجز عن ذلك كفينا خطبه ولم يكن لأمير المؤمنين عذر في ذلك. فقال لهم المأمون: شأنكم وذاك متى أردتم.
فخرجوا من عنده واجتمع رأيهم على القاضي يحيى بن أكثم أن يكون هو الذي يسأله ويمتحنه، وتواعدوا ذلك مع القاضي يحيى ووعدوه بأشياء كثيرة متى قطعه وأخجله، ثم عادوا إلى المأمون وسألوه أن يعين لهم يوما يجتمعون فيه بين يديه لمساءلته، فعين لهم يوما واجتمعوا في ذلك اليوم بين يدي أمير المؤمنين المأمون، وحضر العباسيون ومعهم القاضي يحيى بن أكثم، وحضر خواص الدولة وأعيانها من أمرائها وحجابها وقوادها، وأمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر محمد الجواد فرش حسن وأن يجعل عليه مصورتان، ففعل ذلك.
وخرج أبو جعفر فجلس بين الصورتين وجلس القاضي يحيى مقابله وجلس الناس في مراتبهم على قدر طبقاتهم ومنازلهم، فأقبل ابن أكثم على أبي جعفر