فآواه وأكرم مثواه، وكثر اختلاف أصحابه إليه يبايعونه على السمع والطاعة.
لكنهم نقضوا بعد ذلك بيعته، وأخفروا ذمته، ولم يثبتوا معه على عهد، ولا وفوا له بعقد، وكان - بأبي هو وأمي - من أسود الوقائع، وسقاة الحتوف، وأباة الذل، وأولي الحفائظ، وله - حين أسلمه أصحابه، واشتد البأس بينه وبين عدوه - مقام كريم، وموقف عظيم، إذ جاءه العدو من فوقه ومن تحته، وأحاط به من جميع نواحيه، وهو وحيد فريد، لا ناصر له ولا معين، فأبلى بلاء حسنا، وصبر صبر الأحرار على ضرب سيوفهم، ورضخ أحجارهم (1) وما ناله من ضياتهم الشحيذة، وأطنان قصبهم الملتهبة، التي كانوا يرمونه من فوق البيت عليه، حتى وقع في أيديهم أسيرا، بعد أن فتك بهم، وأذاقهم وبال أمرهم، ثم قتلوه ظمآنا وهو يكبر الله ويستغفره، ويصلي على رسوله صلى الله عليه وآله، وصلبوا جثته بالكناسة، وبعثوا برأسه إلى الشام.
رعي الله جسما بالكنائس مصلبا * ورأسا له فوق السنان مركبا لقد سامه الأعداء خفضا فما ارتضى * سوى الرفع فوق السمهرية منصبا وقفت بمستن النزال فلم تجد سوى * الموت في الهيجا من الضيم مهربا إلى أن وردت الموت والموت سنة * لكم عرفت تحت الأسنة والضبا ولا عيب في الحر الكريم إذا * قضى بحد الضبا حرا كريما مهذبا